لاشك ان ( الحوار ) قيمة حضارية وانسانية سامية , ولا يمكن لذي عقل ان يرفض الحوار , لأنه الطريقة المثلى , بل ربما الوحيدة لحل كافة المعضلات اكان على مستوى الافراد او على مستوى الدول , وحتى حينما تلجا الاطراف الى طرق اخرى لحل مشاكلها , فأن المآل الاخير التي تؤول اليه هذه الاساليب هو الحوار . وقد امرنا الشرع بالحوار , فقال سبحانه آمراً سيدنا موسى واخيه بالحوار مع فرعون : (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ........) , وقال سبحانه : ( وشاروهم في الامر ) , بل ان الله سبحانه وتعالى قد حاور انبيائه بشكل مباشر : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ.... ,,) . صدق الله العظيم . ولا شك ان الامم المتحضرة تجعل من الحوار الوسيلة الوحيدة لحل مشاكلها .. وفي الجنوب فلا تجد احداً لا من عموم الشعب ولا من القيادات يرفض الحوار او يتأفف منه او يتعالى عليه ' بل انهم جميعاً يدعون اليه صبحاً ومساء ,, اذاً فلا يزايد علينا من لا يفقه لغة الحوار , وليس له بها صلة لا من قريب ولا من بعيد , وشعاره الدائم ( الصميل خرج من الجنة ) . ليس من العقل ولا من المنطق ان يزايد ( ابى جهل ) واخوته على أي جنوبي في الحوار , لأن العالم كله يعلم الى أي مدى يؤمن هؤلاء بالحوار , وماهي اللغة التي لا يفقهون غيرها .. هل اصبحت مشائخ الجاهلية الجهلاء تزايد على البيض او العطاس او حسن باعوم او الخبجي او غيرهم في الحوار , فلنستعرض سير الطرفين , ولنسمع لقولهم , ونرقب افعالهم , لنعلم الى أي مدى هذا الامر مجافي للعقل والفطرة السليمة . تتحدث هذه ( الكائنات الغريبة المفترسة ) عن الحوار , لكنها تفضل ولا تجيد الا القتل , يتحدثون عن الدولة المدنية وهم يعيشون في غياهب الجاهلية العمياء . بالله عليكم كيف سيكون شكل ومسار ونتيجة حوار احد طرفيه عصابات القتل والفيد , ( بكل ما يملكه هؤلاء من اموال مسروقة وقوة غاشمه واعلام ضخم وذمم خاوية وضمائر ميته وقلوب نُزعت منها الرحمة ) وطرفه الثاني عبدالله الناخبي ولطفي شطارة وعبدالقوي رشاد . حوار من يملك كل شيء مع من لا يملك شيء حوار الاستكبار والعجرفة والمكر والخديعة مع الاعزل الا من محاولة احقاق الحق حوار من قتل وسلب ونهب مع من قٌتل ( بضم القاف ) وسُلب ونُهب ( حوار الذئاب مع الخرفان ) كما اسماه السيد فاروق ناصر علي . هل يستطيع احد تلك الكائنات , وهل تسمح له ( قبيّلته ومكانته وهيبته ) وما يقع تحت يده بالاستماع والانصات الى الطرف الآخر الذين هم في نظرهم اما هنود او صومال او اندنوسيين . طرح الحزب الاشتراكي ( 20 نقطة ) للتمهيد لشكل من اشكال الحوار المعقول , كبراءة ذمه من هذا الحزب ( الكسيح ) تجاه الجنوب , تم تجاهلها تماماً حتى من قبل شركائهم في الفخ المشترك . وطرحت قيادة مؤتمر القاهرة شروط ثلاثة هي الحد الادنى , حرصاً منها على دخول الحوار , و طرح ما يسمى ( مؤتمر شعب الجنوب ) ايضاً شروطاً لدخول الحوار – وان كان هذا ( المؤتمر ) قد طرحها فقط لذر الرماد في العيون لأنه لم يتم انشاء هذا المؤتمر الا للدخول في هذا الحوار _ . كل ما طرحه هؤلاء تم تجاهله تماماً , وتصر تلك الكائنات على عقد هذا ( الحوار ) بشروط ومقاييس ابى جهل واخوته وباقي عصابات صنعاء . اذا كانت هذه ( الكائنات ) تفقه في الحوار شيئاً , فليبدئوا بحوار الشعب المغلوب على امره في الشمال , الذين يحكمون قبضتهم على عنقه منذمئات السنين , قهر وسلب وتجهيل واستعباد , فهو الاولى بحوارهم , لكن ما يمنعهم من ذلك انهم لا يزالون يؤمنون بفتوى ( ارشاد السامع الى جواز اخذ مال الشوافع ) وما اوصاهم به ( عالمهم ) اسماعيل بن المتوكل ( من انه لا يخشى ان يسأله الله عن ما اخذ من مال الشوافع ,ولكنه يخشى ان يحاسبه عن ما تركه لهم ) . هذه الكائنات لا تريد حوار , بقدر ما هي تريد تكريس سيطرتها على البلاد والعباد , وهي بحاجه الى اعادة انتاج نفسها بشكل يوافق المتغيرات الحاصلة في المنطقة والعالم , أي بمواصفات ومقاييس عصرية , ولكي يكون الاخراج مقبولاً فهم بحاجه ل ( كمبارس ) وشهود زور , يحضرون لا ليحاورا ولكن ليكملوا المشهد لا اكثر ولا اقل . ومع كل ذلك , ومع كل ما يشوب هذا ( المؤتمر ) , فلا يزال بعضاً من ابناء الجنوب مهرولين الى جلسات تحكمها مقاييس وضوابط جاهلية , الى هؤلاء المهرولين نقول : من ذا الذي يستطيع ارغام ابى جهل واخوته على الاذعان للحق , وهم من قاتل دولة بكافة امكاناتها وانتصروا عليها في عاصمتها . اما نحن في الجنوب فنقول نعم للحوار بكل اشكاله , تفاوضي , ثنائي , برعاية دولية او اقليمية او بدون رعاية , لكنه الحوار الذي يعرفه العالم كله ويؤمن به , نتحدث عن حوار الشجعان , حوار الانداد , حوار الشرفاء , حوار الباحثين عن الحقيقة . وليس حوار ابى جهل واخوته الذين يهددوننا ليل ونهار , يطلبون محاورتنا وبنادقهم مصوبه الى رؤوسنا . ان حوار المنتصر مع المهزوم لا يعنينا ولن تكون لنا فيه لا ناقة ولا جمل , ( كما قال السيد حيدر العطاس ) , لن يجدوا الجنوب المهزوم على طاولة حوارهم , لكننا نعدهم ونؤكد عليهم , , انتظروا الجنوب المنتصر فهو قادم الى الحوار . لن ترغمونا على حضور جلسات توقيع وثيقة الاستسلام النهائي , لكننا سنرغمكم على حضور حوار اعلان النصر المؤزر بأذن الله .. ان من يدخل مثل هذا الحوار من ابناء الجنوب قد اصبح كافراً بآمال وتطلعات ابناء الجنوب الى الحرية , كافراً بأملهم في العيش بمأمن من عصابات الفيد والغنيمة , كافراَ بحقهم في العيش بوطنهم آمنين مطمئنين على انفسهم واعراضهم واموالهم , كافراً بدماء الشهداء الذين سقطوا على درب تحقيق الحرية وبناء دولة القانون والعدالة , كافراً بمعاناة المعتقلين وانين الجرحى , كافراً بالآم واحزان الثكالى والارامل , كافراً بجراح الايتام , ان من يدخل حواراً تحكم هذه الكائنات قبضتها على مجرياته وهي قد اعدت مخرجاته , ليس الا احد اثنين .. اما شاهد زور على ابناء جلدته , واما متفيد يطمع في الحصول على عظماً على مائدة اللئام .