العدالة هي تلك الكلمة الرنانة التي يسعى أصحاب الهمم والذين علاء كعبهم إلى تحقيقها وجعلها واقعا ملموساً في مجتمعاتهم لمحو الظلم ولمكافحة الفساد وللقضاء على الفقر والجوع ولرسم الابتسامة على وجوه البؤساء من عامة الناس مهما لاقوا في سبيل ذلك من أذىً وتخوينٍ وتجريحٍ. العدالة هي قول كلمة الحق في وجه مسئول فاسد في زمن غابر وفي مجلس سلطان جائر. العدالة هي سبيلٌ ومنهاجٌ قويمٌ وقرَ في القلب وصدقتهُ الجوارح وعملت به الأركان. في مجتمعنا اليوم الذي أصبح منزوعة الوازع وميت الضمير ومنعدم التورع -إلا ما رحم ربي- أضحى استحضار العدالة أمراً لابدّ منه يراود كل شاب وشابة يرى المجتمعات -وتصرفاتهم الوحشية تجاه بعضهم البعض- بعين طبعه البريئة التي نشأت على الأخلاق والقيم وحب الخير للآخرين وأن الساكتين عن الظلم هم أعوان الظلمة بل هم من الظلمة أنفسهم وهم حزب الشيطان. وكما أن العدالة هي حصنٌ منيعٌ عالي الأسوار تحتمَ أن يكون طريقها معبدٌ بالأشواك والفخاخ والمكائد ومحفوفٌ بالمخاطر من قبل أعداء النجاح محبي الرذيلة المستنفعون من بقاء الأوضاع على حالها والمتاجرون بالأرواح والأقوات باعة الوهم مصّاصُ دماء المجتمعات , فمحاولة تغير واقعٍ أو تحسين خدمةٍ أو فرض عدالةٍ لها ضريبة قاسية على أولئك الذين نذروا أنفسهم كي يعيشون شموعاً يحرقون ذواتهم لأجل تفريج همٍّ أو تنفيس كربٍ أو إنقاذ نفسٍ من براثن طوفان الفساد الذي لا يبقي ولا يذر والذي لا يرحم بشراً ولا حيواناً ولا حتى جماداً تجردوا من كل معاني الإنسانية لا يريدون أن يرحموا ولا يشاؤون لرحمة الخالق -سبحانه وتعالى- أن تتنزل على الخلق , فتراهم ينصبون مشنقة العدالة في كل زمانٍ ومكانٍ لكل من ذاع له صيت بعلمٍ نافع أو خيرٍ واسع أو محبةٍ بين الناس , وللأسف الشديد عند لحظة الحسم يصبح موقف الشعوب ضعيفاً وذليلاً ويحنون إلى أسيادهم ويودون العودة إلى أحضان الظلم والذل والفساد وقصة الثلايا حين نصبت له المشنقة ليست منكم ببعيد حين قال: "تباً لشعبٍ أردتُ لهم الحياة وأرادوا لي الموت". فلا بدّ من الحذر الحذر والمشي بجانب الحائط فليس من العدالة أن تلقي بنفسك إلى تهلكة وقد يكون أحياناً دفع المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح , وأستشهد هنا بالشاعر الجنوبي اليافعي المغمور صالح الجبيري من كتابه آهات العروبة: ومجانباً ريب الأمور محاذراً سوطَ الولاةِ قُبَيِلَ سوط عداتي حتى إذا يوماً أردتُ هجائهم أعددتُ قبل هجائهم مرثاتي.