في غضون أيامٍ قلائل مضت، رأيت لؤلؤة القضاء في قاعة قضائها وهي تقرأ شيئاً من الدعوى – بتأنٍ وروية بالغين – تتقصى ما يجب تقصيه وترجح ما يجب ترجيحه.. ترجيح من استنبط أشياءً ومن علم تفاصيل تؤدي إلى الحقيقة ويقينها بفعل اعتمال وتلاقح جهدها وموهبتها التي ترشدها إلى اتباع أسلوب متميز في قراءة الدعوى وملابساتها.. قراءة من يجيد اقتناص أطرافاً للحقيقة وحبكها ومحورتها استخفت بعيداً عن الدعوى المقروءة. فيتخاطر إلى كل ذي عقل عشقها وتقديسها للحقيقة أكثر من الوظيفة، فور النظر إليها وهي تقرأ وفور سماعها وهي تقول –مستنكرة بحزم- لأحد الأطراف (الرد على الدفع ضرورة لا غنى عنها كونه متعلق بالنظام العام). تعلم القانون وتُعلمه من أصابه أو لحقه شيءٌ من القصور بالقدر الذي تطبق نصوص مواده وروحه بشفافية وإخلاص دون أن تخاف في العدالة لومة لائم، أكان في سُدة الحكم أو موقع النفوذ انتصاراً لوجه شمس الحقيقة ولا ريب؛ فحققت بذلك إرثاً من الأحكام العادلة في زمنٍ احتقن بظلال الأحكامِ الجائرة وسريان وطأتها القاسية في مجتمع لن ينجو من القضاة ذوي النسختين. لذلك أجدني في شديد الحاجة والعوز لأن أقول –بملء حنجرتي وبكل نفسٍ يتصاعد من صدري- لمن غابت وشُبكاها في القضية مفتوح.. سلامات غيابكم المشفوع.