مما لاشك فيه اليوم ان إتساع دائرة الضغط شيئا فشيئا وأنحسار حزمة الخيارات البديلة المتصلة بالقضايا الاستراتيجية والهامة بشكل متزايد سيعد بالفعل أمرا مقلقا ومؤشرا سلبيا بالنسبة لرئيس يسعى بقوة لضمان بقاءه فترة رئاسية ثانية . هذا ما يحدث اليوم تقريبا مع الرئيس الاميركي ترامب .. ترامب الذي يبدو ان خياراته بدأت اليوم تتقلص فعليا على الرغم من محاولته إنعاش السياسة الخارجية لبلاده وتاكيده للناخب الاميركي في إمتلاكه حلولا حقيقية تهدف الى الحفاظ على مصالح اميركا بمنطقة الشرق الاوسط والعالم عامة الا ان كل هذه المحاولات كما يبدو لم تشفع للرجل امام الكم الهائل من ضغط الديمقراطيين المتزايد صوب تعطيل مساعيه وربما تقييد حركته. قد لن تفلح جهود الديمقراطيين بإقالة ترامب عن منصبه لكن مجرد تمكنهم من جره الى المحاكمة برلمانيا سيبدو أمرا مثمرا وكفيلا بتقليل فرص نجاح ترامب في ضمان ولاية ثانية له.. ولأن الوقت ليس في صالح الجميع سيتحتم هنا على المنافس الديمقراطي توجيه ضربة اضافية اخرى ! فماذا عن إثارة قضية اختراق هاتف مالك شركة امازون العملاقة وصحيفة الواشنطن بوست الملياردير الامريكي "بيزوس" من قبل الامير السعودي محمد بن سلمان وتحويلها الى قضية رأي عام يتناولها الوسط الاعلامي الدولي برمته؟ اليست ضربة موجعة يتلقاها ترامب عبر الإيحاء بامكانية خسارته لأهم حلفائه الاستراتيجيين وداعمي حملته الانتخابية وذلك من خلال تلميح شخصيات سياسية ووسائل اعلامية تابعة للديمقراطيين بإعادة فتح ملف اغتيال الصحفي خاشقجي العامل بصحيفة واشنطن بوست وربط قضية الاختراق والتهديدات لمالكها بهذا الملف؟.. اذن فالجمهوري ترامب يعاني حقا امام التصعيد الواضح للديمقراطيين ويبدو ايضا انه بدأ يستشعر خطر "عقدة كارتر" المتمثلة بالعامل الخارجي المفاجئ الذي يستجد سلبا في العام الرابع فيقضي على ايجابيات ثلاثة اعوام رئاسية سابقة وبالتالي ينهي آمال اي رئيس امريكي بولاية حكم ثانية. وهنا هل يمكن القول ان ترامب بات فعليا بصدد تجميد عدة ملفات خارجية والاكتفاء بمراقبة المشهد من بعيد تجنبا لاي ارتدادات سيئة قد تؤثر سلبا على حظوظه في الداخل حال استمر بتصعيده هناك؟ وليس بعيدا عن ذلك الامر ربما ستاتي زيارة الامير خالد بن سلمان الاخيرة لتؤكد المضي بهذا الاتجاه اي انها كانت بمثابة إستيضاح سعودي فقط حول كيفية إدارة ازمات منطقته والتعاطي معها خلال الاشهر المتبقية لبدء سباق الرئاسة.بالمقابل فانه لايمكن تجاوز ان تلك الزيارة حملت رسالة قوية تعكس مدى تماسك التحالف وتوافق الرؤى مع الحليف الاميركي وهي رسالة مقصودة كذلك ربما توجه الى خصومها بالإقليم؟.. عموما ..من الملاحظ اليوم بعيدا عن معارك ترامب الانتخابية وفي ظل التوتر الاخير الحاصل بالمنطقة العربية وكذا عقب الزيارة السعودية الاخيرة لأميركا ان ثمة نشاطا ديبلوماسيا اوروبيا مكثفا ولربما لوحظ ذلك بوضوح في ملفين مهمين هما الملفان اليمني والليبي .. فالزيارة الاوروبية الى اليمن قبل ايام والتقرير الذي اوصت به لجنة خاصة تابعة للاتحاد الاوروبي لاحقا حول ضرورة بذل مزيدا من الجهد الاوروبي العاجل لصالح البنى التحتية باليمن وكذا في دعم حالة الاستقرار في الجنوب عبر تبني مطالب الجنوبيين سياسيا فضلا عن تصريحات لمندوب فرنسا بالامم المتحدة تدعم هذا التوجه قطعا جميعها جاءت بمثابة حلحلة سياسية وتحريكا جديا لمياة الازمة الراكدة باليمن لكن نافذة اوروبية هذه المرة .. وفي ذات السياق ايضا تأتي تصريحات اخيرة لمسؤول اوروبي رفيع عقب اجتماع موسع لقادة اوروبيين بخصوص الازمة الليبية كاعلان صريح بقرب عودة الدور الاوروبي هناك خاصة وان ذلك المسؤول بدا خلالها متفاخرا جدا بالموقف الاوروبي الجديد تجاه الازمة الليبية .. لكن وبالعودة الى الملف اليمني والذي يبدو انه بالفعل قد تحول الى مستنقعا حقيقيا استنزف كل الوقت والجهود الرامية الى تجفيفه..فهل لازال بامكان التحالف الانتظار اكثر ريثما يصل الحل القادم من بوابة الديبلوماسية الاوروبية بعد ان تأكد فشل جميع جهوده طيلة السنوات الماضية؟ ام ان واقع المعطيات الماثلة اليوم امامه سيدفع نحو الاسراع بحسم هذا الصراع واغلاق ملفه قبل نهاية هذا العام؟ فلا احد يعلم ماهي مآلات الازمة اليمنية لاحقا فيما لو انتصر الديمقراطيون وعادوا الى البيت الابيض؟..ففي الوقت الذي يحاول فيه ترامب مقاومة الكابوس الديمقراطي تحاول ايضا السعودية التغلب على انتهازية وابتزاز حلفائها بالداخل اليمني وتحديدا في جبهات الشمال الغامضة .. الشيء الوحيد المؤكد حينها ان السعودية ستكون في وضع محرج للغاية يختلف كثيرا عن وضعها خلال سنوات حكم الجمهوريين ..لذا لاغرابة خصوصا في ظل تقنين دور الحليف الاماراتي وتزايد التغول لخصومها الاقليميين بملف الازمة اليمنية في تمسك المملكة بضرورة تطبيق اتفاق الرياض جنوبا والذهاب صوب تصعيدها عسكريا بالشمال بغية التعجيل بدفع الاطراف هناك الى حل سياسي يمهد لتسوية شاملة قد تنهي الصراع اليمني قبل بدء سباق الرئاسة الاميركي.. باعتقادي يعلم السعوديون جيدا معنى رحيل ترامب عن حكم الولاياتالمتحدة الاميركية.كما ان عامل الوقت هو الاخر لم يعد كذلك في صالح المملكة ابدا ..وعليه فقد نشهد ديناميكية عالية تبديها المملكة باتجاه ملفات عدة بالمنطقة في مقدمتها اليمن عدا ان كل ما سيبذل قريبا لن يكون الا وفق المتاح والمتوفر واظن ما اقصده هنا لا يحتاج الى تفسيرات كثيرة !! " ثبيت الواقع الحالي سريعا خيرا من السير طويلا في نفق المجهول " ..