في تلك الليلة الروحانية من ليالي رمضان، والأفق يكاد يضيء نورًا، تأتي الأخبار بأن الحوثيين هاجموا لواء القشيبي، وحاصروا كتائبه جميعها، بينها كتيبته الخاصة.. تداعى الناس نحو هذا الحصار، وتجمعت الأوباش وغير الأوباش ليخوضوا في القشيبي وينالوا من أمانته.. أنا بالنسبة لي : لا أعرف القشيبي حينها إلا مجرد اسم بلا مسمى. وصفوه بالخائن، والعميل، والإيراني.. الذي تخلى عن شرفه العسكري والوطني. ثم ما هي إلا لحظات: وإذا الأخبار تتحدث عن القشيبي أن مصيره مجهول!!!. أسوأ مصير مجهول واجهني في حياتي هذه، وخبرتي التاريخية القليلة.. لم أكن أعرف مصطلح الوطنية؛ كنت حينها لا أتوقع أن قائدًا على ثغر حماية الوطن سيخون. ثم: جاءت الأنباء عاجلة عن مقتل القشيبي مدافعًا عن دينه ووطنه.. وثابتًا في موقعه، لم يسمح للخيانة أن تُسلِمه نحو حياةٍ باقية دنيئة. ولكن رضي بالوطنية والوفاء والأمانة أن تسلبه الحياة، لتعطيه بابًا نحو الموت، الذي هو مصيرٌ متوقع لكل جندي وحامٍ. ما زلت أتذكّر هذا الخبر جيدًا، وأنا عائد نحو البيت في تلك الساعة المتأخرة، التي أكست السماء ظلامًا ملبدًا وجاثمًا. أخذتني العبرة والحنق إلى ذلك المكان البعيد الذي ما سبق لي من قبلُ أن عرفتُه. تكاد تقول: إن حادثة حجور ومقتل قائدها الزوعري ذكرتني نبأ القشيبي، وكأنما هما في فسطاط واحد. وتكاد حادثة الشدادي كذلك تُعيدُ لي بعض صور هذين المشاهدين، بما فيهما مجريات المشهد الذي في عمران، ولكن في صور كثيرة، ولم تكن كاملة. أما في مأرب، ف يتصدر بحيبح قائدًا لزمرة هذا المشهد في التضحية، ويقود هؤلاء الشرفاء قيادة كبيرةً،ويحتل رصيدًا كثيرًا. يقدم أولاده الأربعة، ويبقى حيًّا لم ثتنه هذه المصائب عن هذا النضال السامي.. وتتجلى القبلية الشريفة بالشيخ علي شريم في محافظة الجوف.. ودع الحياة شهيدًا بإذن الله قبل أشهر، وقد عزز رصيده البطولي، فقدم من فلذات كبده أربعة بالتمام... حينما يتصدر العكيمي محافظا لمحافظة الجوف، وقائدًا عسكريًا للمحور، وثائرًا قبليًّا، ومجاهدًا شريفًا.. فلا عجب.. لكنه كذلك يتصدر المشهد هذه المرة ليعيد مجدًا ثلاثيًا مزدوجًا.. بعد أن قدم ولديه في هذه الطريق، لا تفصل بين ذهابهما إلا أيام قليلات. ومصيره مجهول!!. ثم يصنع رجلًا استثنائيا وبتجرد كبير.. هذا الخضم الهائل، من كمّ قليل صادق، وهب وقدم وضحى.. هناك ثم مصير مجهول لقائد مؤتمري، ثم يظهر بعد هذا المصير ليصنع قوةً بحجم وزارة الدفاع،لكنها لا تخضع له... لكنه حتى اللحظة لم يصنع لنا شكرًا بعد ظهوره،من مصيره المجهول. بالنسبة لي: كنت منتظرًا ظهوره حيا على أحر من الجمر... ولكنه ظهر، ولم يقم بأي دور.. فمتى؟ ولماذا؟! صالح الفقير 3مارس2020م 8رجب 1441ه