لقد أثار خطر إنتشار فيروس كورونا هلع كبير في جميع أنحاء المعمورة، فهذا الكائن الخفي عن النظر والمتناهي في الصغر والشديد في الضرر، يقوم بمهاجمة جسم الإنسان ويختفي في عمق حضنه لمدة اسبوعين دون أن تتمكن التقنيات الطبية الحديثة من رصده، وبعد إنتهاء فترة حضانته ينشط ويهاجم رئتيه ويفتك بها في حال تجاوزه وتغلبه على الدفاعات التي أوجدها الخالق سبحانه وتعالى من أجل حماية الحياة، ولكن حين تكون القدرة الدفاعية قوية للمصاب والتي يطلق عليها بالجهاز المناعي، إلى جانب إحاطة المصاب برعاية طبية تساعد في تعزيز دور جهازه المناعي، وتتيح له إلحاق الهزيمة بالفيروس وبالتالي يشفى المصاب من أخطر التهاب رئوي. وكانت مدينة ووهان في الصين الذي يبلغ عدد سكانها أحد عشر مليون نسمة، هي الموطن الذي أنبثق منه فيروس كورونا الغامض، ولكون ووهان قبلة للطلاب من مختلف دول العالم فهي تضم ثاني أكبر عدد من الجامعات في الصين، وايضا لأن العالم قد أصبح قريةً بفضل العولمة التي يتضمن مبدؤها إنفتاح دول العالم على بعضها البعض وتسهيل تقاربها وتوثيق ترابطها، كما كان للتبادل التجاري وللتطور الهائل الذي جرى في حقل الإتصالات، والتوسع الضخم في وسائل النقل دوره الواضح في تقريب المسافات بين مختلف دول العالم وتعزيز فكرة إن العالم صار قرية، ومع ذلك كان لذلك الترابط والتقارب وعدد الطلاب الاجانب الكبير في مدينة ووهان أثره السلبي فقد ساعد في سرعة إنتشار هذا الفيروس وإنتقاله من الصين إلى الكثير من دول العالم، لذلك اضطرت كثير من دول العالم إلى عزل بعضها عن البعض الآخر وإغلاق منافذها الحدودية، بل هناك البعض القليل من الدول والذي تفشى فيها الوباء، قطعت أوصالها الداخلية وعزلت مدن بكاملها. إن بعض من دول العالم والتي تواجه مشاكل اقتصادية وعجز مالي وبينهم بلادنا لم تول إهتمام لخطر هذا الوباء ولم تتخذ إجراءات وقائية لصد تسرب فيروس كورونا القاتل، فهل يعني إهماله وعدم الإهتمام به هو طريق السلامة من خطره؟! أكيد لا، وربما كان تجاهلها لخطره هو محاولة التهرب ورفض معايشة مشاعر الشفقة على حالها وعلى العجز التي يكتنفها. وبلادنا إلى جانب إنها تعيش ظروف إقتصادية صعبة ظهرت ملامحها قبل الحرب الحالية، حيث كانت الجرعة الأخيرة التي أتخذتها الحكومة قبيل نشوب الحرب، وسحبت الدعم عن المشتقات النفطية، والتي على إثرها أنتفضت المليشيات الحوثية، وأتخذت من إرتفاع الأسعار ذريعة لتشن حربها على السلطة وعلى الشعب بكامله، وخلال الحرب الطويلة هوى إقتصاد البلاد إلى أدنى مستوى ويشهد على ذلك بجلاء الإنهيار الساحق للعملة المحلية، والعجز المالي الذي يحيق اليوم بالبنك المركزي، ولم تكن الظروف الإقتصادية والمالية الصعبة التي تواجهها البلاد هي المعضلة الوحيدة وحسب بل هناك مشاكل سياسية معقدة وضعف أمني كبير وفساد مستشري، وحرب مدمرة لا تزال نيرانها مستعرة، وهناك عقبات ومشاكل أخرى عجزت السلطة عن معالجتها مثل الإنقطاعات الطويلة والمستمرة للتيار الكهربائي، والضعف في إمدادات المياه، وضعف وهشاشة الخدمات الصحية، وفي ظل هذا الوهن كيف ستتمكن السلطة من مجابهة عبء هذا الوباء الثقيل والذي يتطلب امكانيات مادية كبيرة أكان من أجل أتخاذ الاحتياطات الاحترازية لمنع تسرب الفيروس أو في حال تفشي هذا الوباء في البلاد لا سمح الله، إنه تحدي يصعب مواجهته، وربنا يحفظ البلاد من الوقوع في شر فيروس كورونا، وهو السميع المجيب.