احتفل المقصرون اليوم بعيد أمهاتهم، ولم نحتفل معهم بيوم عيدهم، لأنهم لا يحتفلون بأمهاتهم إلا في هذا اليوم، وأيامك معنا يا أمي كانت كلها أيام عيد، فغبتِ عنا في هذا اليوم، وستغيبين عنا فيما بعده، غابت ضحكتك عنا، وغاب عنا وجودك بيننا، أظلمت الحياة في طريقنا، حنانك قد غاب، وعطفك غاب، فلقد كنت عند سماعك بعارض قد عكر حياتنا، تعلنين حالة الاستنفار، ولا ملجأ لنا إلا أنت، فأنت حصننا الحصين، ودعاؤك سورنا العظيم، ولكن هذا العام غاب عنا كل شيء، فجاء طوفان الهموم، والأحزان، فدمر نفسياتنا، فغابت حلاوة الحياة يا أمي، غابت عنا أجمل كلمة وهي كلمة أمي، فآهٍ ما أجمل هذه الكلمة، ولكنني لا أستمتع بنطقها في غيابك، عاد اليوم عيد المقصرين مع أمهاتهم، فتمنيت لو أحتفل معهم، لأن الشوق قد زاد لك يا أمي، والحنين لك كل يوم يزيد، فأحس أن قلبي يتفطر، والجسم بعدك مجرد كومة حزن، فالضحكات مصطنعة، والكلام بلا حلاوة، والعمر نقضيه حباً في الدعاء لك، لعلنا نرد لك شيئاً مما قدمتيه لنا في مضمار الحياة. في يوم من الأيام لمت الخنساء عندما كنت أردد قولها في رثاء أخيها صخر، وقدمت لها العذر اليوم، فقولها: ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي، فحُق لها أن تقول هذا الكلام فيمن أحبته، وأنا يا أمي قد أحببتك حباً شديداً، أحببت حبك لي، وعطفك عليَّ، وافتقدت سؤالك عني، افتقدت دعاءك لي، حنيت لرؤيتك، ورؤية وجهك، واشتقت لسماع صوتك، اشتقت لجلستك، ونومك، وافتقدت لدخولك، وخروجك، فيكاد الحزن يقتلني، لولا عزمي ألا يرى حزني أحد، ولا ينظر لدمعاتي أحد، ولا يسمع نبرات صوت حزني أحد، فقد خبأت حزني في دواليب قلبي، فكاد قلبي يتفجر، فبثثت على وريقاتي حزني الكبير عليك يا أمي، وحبست دموعي في مقل عيوني، فكادت تعميني، فسكبتها في وحدتي، ألا فلتبكِ الخنساء، فبكاؤها على أخ لها، وليبك كل من فقد أمه، ففقدان الأم لا يعدله شيء إلا فقدان الأب، أو الابن، أو حبيب صادق في حبه، فلقد بكت الخنساء على أخيها، فكيف لو فقدت أماً مثلك؟ ماذا عساها ستقول؟ وماذا عساها ستفعل بنفسها؟ أمي بعدك جرفتنا أحزان فقدان حنانك، وعصفت بنا الآلام، وعند رؤية مكانك وقد خلا، يرتجف القلب كالطير المذبوح، وتذرف العين، ويحل الهم، والحزن، والأكتئاب، فما قيمة الحياة بدونك يا أمي؟! لا قيمة لها إلا لأنني أتمنى أن أقدم لك مالم أستطع تقديمه في حياتك من دعاء لله، ليرحمك، وليجعل قبرك روضة من رياض الجنة. 21 مارس لم أشمه فلا ريح له اليوم، ولم أطعمه كما طعمته اليوم، فهو يوم مر الطعم بدونك، وعديم الرائحة، ولا لون له، فهو يوم الحزن، وتقليب الذكريات الجميلة، وبسط الأحزان العريضة، 21 مارس لهذا العام هو مائدة الأحزان، هو يوم الفقد الحقيقي لأجمل أم، وأطهر أم، وأحن أم، وأعظم أم، يوم انتهت فيه العاطفة، 21 مارس يوم انتهى فيه الإيثار، فلقد كان طعامك لغيرك، وكل شيء جميل في حياتك لا بد من توزيعه على من حولك، 21 مارس يوم فيه علمت معنى اليتم، فما أقسى حياة الأطفال عندما يعيشون بلا أم، فهذا يعني أنهم بلا حياة. فيا الله أسألك أن ترحم أبي، وأمي كما ربياني صغيراً، وأن ترحم كل موتى المسلمين، قولوا آمين.