شكلت وسائل الإعلام انفتاحاً معلوماتياً لا يمكن تجاهله، وسرعة فورية في تناقل الأخبار وصناعة الحدث، لكنها على الوجه الآخر باتت وكالات أنباء ومنصات لنشر الشائعات التي يتبادلها مستخدموها إمّا قصداً أو سذاجة، بغير علم ولا تحر لمصداقية الأخبار المتناقلة . ولاشك أننا نعيش عصراً أصبح فيه التواصل الاجتماعي الإلكتروني جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، بفضل التطور الهائل في تقنيات التواصل، وسهولة استخدامه للجميع، حيث يتنامى دور وسائل التواصل الاجتماعي سواءً سلباً أو إيجاباً، فأصبح لزاماً على الجميع أن يتعامل مع هذا التحول الكبير في استخدام وسائل التواصل بحذر ومسؤولية اجتماعية، وبوعي بخطورة تأثيره السلبي إن كان ما ينشره أو ينقله عبر هاتفه المتحرك، أو عبر فيسبوك أو تويتر أو واتس آب أو غيرها من مواقع التواصل الاجتماعي قد يحدث أضراراً بالغة بالمجتمع، أو يسهم في استشراء بعض الأمور السلبية .
فنحن نطالع من حولنا كل صباح ومساء وعلى مدار الأربع والعشرين ساعة في اليوم والليلة كمّا هائلا من الشائعات ، والتي عرّفها خبراء الاتصال بأنها : (أقوال مغلوطة ومختلقة تهدف إلى جلب حالة من البلبلة والتحريش والتشكيك وإثارة الرأي العام حول مشكلة أو موضوع معين بشكل يجلب التضارب والاختلاف والنزاع الذي قد يتطور ليصنع مشكلة في حد ذاته) ، وهي أيضا : أقوال وكتابات واحاديث وروايات مرسلة يتناقلها الناس دون التأكد من صحتها ودون التحقق من صدقها . وقد ينتج عن الشائعات أزمات تزعزع الأمن والاستقرار وتنعكس سلبا على أمن الفرد وسلامة المجتمع ، والهدف من الشائعات هو إثارة الفتن والقلاقل والبلبلة والتحريش بين أفراد المجتمع المحلي.
وقد أكد المختصون والخبراء في علوم الاعلام والاتصال أن وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها أصبحت كالوقود الذي ما إن يرى شرارة إلا وعمل على تأجيجها ونشرها لتبلغ الآفاق، من دون أن يحسب حساباً للآثار التي يمكن أن تعقب هذا العمل، مضيفين أن ذلك أوجد لكثير من ضعاف النفوس بيئة خصبة لممارسة هواياتهم في بث المعلومات المغلوطة والترويج لأخبار غير صحيحة مطلقاً وفاقدة للمصداقية ، مشيرين إلى أن البعض قد يساهم في نشر تلك الشائعات وانتشارها بين أفراد المجتمع، وذلك عبر إرسال كل ما يصله من أخبار أو معلومات إلى غيره من دون أن يتحقق من مصدره، داعين الجهات المعنية إلى التصدي لتلك الشائعات والقضاء عليها في مصادرها، إلى جانب المبادرة بنشر الحقائق وتعزيز الشفافية، لافتين إلى أن هناك حاجة اليوم إلى حملة اجتماعية تركز على وقف تداول الشائعات بين أفراد المجتمع، إلى جانب وقف استقاء الأخبار من المصادر المشبوهة، وكذلك التركيز في أن تكون مصادر المعلومات رسمية وموثوقة.
وبرغم فعالية شبكات التواصل الاجتماعي في نقل الأحداث بشكل آني وسريع ، إلا أنها في المقابل قد أصبحت بيئة خصبة لنمو وانتشار الشائعات ، والتي تثير الفتنة والتحريش والتحريض والبلبلة والتشكيك وإثارة الرأي العام في المجتمعات ، وبقدر ما تتعدّد منصات النشر، بقدر ما تزيد المسؤولية في البحث عن المصدر الأصلي للخبر للتأكّد من مصداقية المعلومة ، تعتبر سهولة إنتاج ونشر، وإعادة توجيه وارسال ونشر المعلومات ومشاركة التحديثات بأيسر السبل، وأقلها كلفة، وفي فترة زمنية وجيزة من الأسباب المساهمة في سرعة انتشار الشائعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كذلك تساهم في جعل قدرة التحكّم في المحتوى الإلكتروني ضئيلة جداً ، يُضاف إلى ذلك صعوبة مراقبة المحتوى الذي يتمّ نشره من قبل المواطنين الصحفيين عكس واقع الحال في الصحافة التقليدية ، ويُسجّل ارتفاع في نسب انتشار الشائعات عبر شبكات التواصل الاجتماعية كلّما كانت المواضيع محل النقاش متعلقة بالقضايا الإنسانية والعرقيّة والدينية، أو متناولة لشخصيات عامة.
وقد أوردت احدى استطلاعات الرأي العام على شبكة الإنترنت أن 80% من مصادر ترويج الشائعات كانت عن طريق "واتس آب" ، بينما تجاوز تويتر وفيس بوك شبكات التواصل بما نسبته 85% من تدوير الشائعات في عدد من الأحداث المهمة العربية ، كما قامت صحيفة اليوم باستطلاع عبر موقعها الإلكتروني عن مروجي الشائعات في مواقع التواصل الاجتماعي، وجاءت نتيجة الاستطلاع كالتالي: (45% أكدت أن وراء انتشار الشائعات عابثين يمارسونها للتسلية) و (38% لهم أهداف وأجندة خارجية)، و 15% (مرضى نفسيون).
ومن أجل مقاومة ومكافحة الشائعات ومحاربتها والوقوف ضد انتشارها علينا الاستفادة من المعالجة الاسلامية الدينية واتباع الحلول والخطوات التي بيّنها لنا القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6) ، وهذا يعني ضرورة توظيف النصوص الاسلامية والاستفادة منها في محاربة الشائعات وفقا للمنهج الاسلامي من خلال عدم ترك المجال لاثارتها والابتعاد عن مواطن الشبهات والاتهامات التي تغذيها ، واحسان الظن بالمسلمين والتماس الاعذار لهم ، والتحذير من الخوض في أعراض الناس وتجنب نشر واذاعة الاخبار الا بعد الاستيثاق من مصادرها الصحيحة.
أيضا يجب التأكيد على دور الاسرة في مكافحة الشائعات من خلال دورها في عملية الضبط الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية والتربية والتعليم والتوجيه الذي يغرس الحصانة اللازمة لوقاية الفرد من الوقوع في الشائعات او تصديقها.
كما يجب التأكيد أيضا على أهمية دور وسائل الاعلام التقليدية والحديثة (الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي) في مكافحة الشائعات من خلال المبادرة والسبق الاعلامي والصحفي الذي يتضمن تقديم الاخبار الصادقة وكشف الحقائق للجمهور لإكتساب المناعه التي تقيه من التأثر بالشائعة . مع الشفافية والوضوح في نشر المعلومات والحقائق بصورة سريعة ودقيقة وصحيحة وموضوعية وموحدة المصدر ، مع الحرص على تزويد أفراد المجتمع بالاخبار الصحيحة حول الشائعة أولا بأول.
القراء الأفاضل ونحن في هذه المرحلة الحالية وما تعيشه بلادنا والعالم من أحداث الوباء العالمي جائحة #كورونا ، يتحتم علينا عدم الإنجرار خلف الشائعات التي يبثها أعداء الوطن والمجتمعات ، والوقوف بكل حزم ضدها، فإن من يطلقونها لهم أهدافهم فلا نعينهم على نشرها ، وحفظ الله بلادنا من كل مكروه وسوء ، وكفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليلقل خيرا أو ليصمت ، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.