الاستغفار نعمة مجهولة وهبة مهمولة ومنحة مفضولة قل من يلتفت إليها.. إنه طريق للنور وحياة للروح وتطهير للجوارح. يبدد ظلمةالقلب,ويهذب النفس , ويرقق الفؤاد, ويوقظ الضمير وحاد إلى الطريق المستقيم . به تمحى الذنوب والخطايا وترفع الدرجات وتغفر الزلات وهو سبيل لرضا رب الأرض والسماوات لذلك كان رسولنا الأعظم دائم الاستغفار ولم يفارق الاستغفار لسانه في حل واسترحال .. كان اذا أدى صلاة اتبعها بالاستغفار إذا رزق نعمة استغفر الله إذا منحه الله نصرا أمره بالاستغفار وإذا أدى طاعة ألحقها بالاستغفار وبعد الإفاضة من عرفات شرع للحاج الإكثار من الاستغفار وهكذا كان حاله مع الاستغفار حتى إنه إذا خرج من الحمام قال استغفر الله. وكان يقول : (ياإيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب الى الله وأستغفره في اليوم مائة مرة) . لذلك كان آخر كلمات ختم بها حياته في الدنيا كما أخبرت عائشة (اللهم اغفر لي وألحقني بالصالحين ) . إنه الاستغفار .. جرعة متعددة المفعول تستخدم للوقاية والعلاج في آن واحد . فالاستغفار وقاية من الانحدار والانزلاق والسقوط في مستنقع الخطايا .. ووقاية كذلك من نزول عقاب الله قيل : (لونزلت صاعقة من السماء ما أصابت مستغفر ). وهذا القول يؤكده قوله تعالى : (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ). آية واضحة صريحة تبين أن الاستغفار يحفظ صاحبه ويقيه من نزول العذاب والوقوع في الخطأ. وكذلك هو علاج .. لأنه يمحي آثار السيئات ويذهب غبار الذنوب ويزيل ظلمة المعاصي ويفتح باب الامل للانسان مهما تنكب الطريق وشرد عن حما مولاه وانحرف عن جادة الطريق وخاض في وحل المهلكات وأسرف في ارتكاب المحرمات . قال سبحانه وتعالى : (قل ياعبادي الذين أسرفوا على انفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ). فأي نعمة هذه نعمة الاستغفار . وأي عذر يتبقى لمن يسمع هذا النداء الحاني النداء اللطيف النداء الذي تشع من ثناياه الرحمة الندية والانس اللطيف والحنين الودود . كل هذا لمن سقطت نفسه في محظور أو أسرف في المعاصي أو ارتكب المحرما ت. فرحمة ربه الواسعة لاتتركه فريسة تتخطفه الشهوات المهلكات بل تسرع اليه لانتشاله من ذلك المستنقع الآسن وكلمة (ياعبادي الذين أسرفوا على انفسهم ) كفيلة بأن تهز الوجدان وتنقذ الحيران وتنبه التيهان ....بأنه غير متروك وأن يد الله الحانية ممتدة لإنقاذه إذا هو أراد الطهارة والنهوض من الكبوة والعودة الى الحما . يقول ربنا سبحانه في الحديث القدسي : (عبدي لو أتيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مفغرة ) . إنه الاستغفار ... هو بمثابة المطهرات التي تزيل بقع الاوساخ في الاجسام والملابس والأواني والمنازل . وكلنا يعلم قيمة تلك المطهرات وأهمية استخدامها في حياتنا اليومية ..وكذلك يعلم الجميع النتائج الكارثية التي يتعرض لها كل من يهمل استخدامها . أرأيت كيف تنبعث منه الروائح الكريهة وكيف تعلو على جسده وملابسه الاوساخ القبيحة . ولك أن تتخيل كذلك منظر منزل لا يستخدم أهله تلك المنظفات الجميلة . وهكذا هو حال الاستغفار مع المسلم . إنه منظف رائع .. ومزيل فعال لكل ما يعلق بالإنسان من أدران المعاصي وأوساخ الذنوب وغبار الخطايا . وملمع تظهر آثار لمعانه وبريقه على الروح والقلب والنفس والمظهر الخارجي للمسلم . وحتى يؤدي الاستغفار مفعوله لا بد من الإكثار منه وملازمته والدوام عليه واستشعار الصدق والإخلاص فيه لأن الاستغفار باللسان دونما إدراك لمعانيه ...استغفار الكذابين . ِ إن حقيقة الاستغفار هو طلب المغفرة والستر والاعتذار عما بذر من الانسان في حق الله أو في حق أحد من خلقه . فإذا كان الرجوع بصدق كان أرجى لقبوله وآكد للعفو عنه وأسرع في نيل السماحة. ومن هنا تظهرنجاعة الاستغفار ونتائجه الفعالة وآثاره البينة. فالمواظبة عليه بمثابة الحمية الفعالة جدا جدا ضد فيروسات المعاصي والتعرض للأخطار ونزول العقوبات والبلاياء والرزاياء. فأنت في حفظ الله ورعايته وكذلك أنت في مأمن من التعرض للعقاب ما دمت محافظا عليه . ولذلك عندما يتمادى الناس في البعد عن الله وينسون استخدام حمية الاستغفار ...يبتليهم الله ببعض العقوبات مثل الحروب والكوارث والزلازل والأمراض والأوبئة وغيرها وهذه كلها بمثابة منبه ومؤشر خطر يعطي رسالة مفادها تصحيح خط السير . فالحليم يكتفي بالإشارة ويراجع حسابه ويعدل خط سيره ويعود إلى ربه معتذرا نائبا نادما مستغفرا ... والغبي لايفهم تلك الإشارة لأن أجهزة الاستقبال بالنسبة له معطلة ..فيظل على خطأه وعماه حتى تأتيه مصيبة الموت وهو على تلك الحالة ِ. وهذا هو المقصد والغاية والهدف من الابتلاء . (ليذيقهم بعض الذي عملوا ) لماذا يارب ؟ قال : ( لعلهم يرجعون). لعلهم يعودون ويتوبون ويؤبون ويعتذرون ويستغفرون. إذن من أسباب نزول البلاء أيا كان نوعه وسواءٌ أكان على مستوى الفرد أو الاسرة أو المجتمع هو الوقوع فيما يغضب الله والعلاج هو لزوم الاستغفار . فما أحوجنا اليوم ونحن تعصف بنا المصائب وتتجاذبنا الشدائد وتتلاطم بنا أمواج الفتن وتغزونا الأمراض والأوبئة والاسقام .. أن نستخدم هذا العلاج الفعال والمصل الناجع والدواء الشافي . إنه سلاح الاستغفار . فلنكثر منه ولنرجع إلى الله بتوبة صادقة لعله أن يزيح عنا هذه الغمة ويذهب عنا هذه البلاياء ويرفع عنا هذه الاسقام والأمراض والأوبئة وأن يحفظ بلادنا من كل سوء.