يخفق قلب الأم، وترتعش خلجات جسدها المتعب بعد يوم حافل بالصيام، وعمل المنزل، تسمع زوجها يتحدث مع أحدهم، ويردد اسم ابنه، فتزداد ضربات قلبها حتى كاد يخنقها، يرتعد جسمها كله، فهذا إحساس الأم، ينهي الزوج مكالمته، ويتجه نحوها، تقوده أحزان الدنيا، ويتهادى بين الأوجاع، وتكاد تقلع عينيه دموع حبسها، ويكاد صدره ينفجر لحرقة كتمها. يلف البيت صمت رهيب، يتقدم الزوج بخطواته نحو بقايا من زوجته، تنظر إلى وجهه، وهي تتمنى ألا يتكلم، وألا يخبرها، لتعيش على أمل، عنوانه لعله يعود، تدور عيناها في فضاءات الحزن المرسوم على وجهه، وتتمنى لو بينها وبينه مسافات العالم حتى لا يخبرها، يفتح الزوج فاه ليتكلم، فيأتيه صوت الزوجة المحبوس داخل دائرة أمل بسيط، وهو ألا ينطق بما جاء ليخبرها به، ملأها الحزن، وحاصرتها الآمال، لعله يعود، لم ينطق لسانها، ولكن قلبها ظل يردد لعله يعود، فتطلق صرخة الاستنجاد، لا، لا، لا، يحضنها الزوج، وهو يردد المستقبل أكلته الحرب، ترتجف الأم، ويجف كل شيء فيها، وتتسمر عيناها في تفصيلات وجهه، لعله يمازحها، ودموعه تخبرها بالحقيقة، ولسانه يردد أملنا في هذه الحياة قتل، تنزل كلماته كالصاعقة على مسامعها، وهي تردد، لا، لا، لا، فثيابه للعيد مازالت هنا، وحذاءه، ألا تراها؟ ألا ترى ذكرياته؟ ألا تسمع نبرات صوته؟ ألا تحس به، وهو يناديني؟ فحبيبي لن يتركني من غير وداع، لن يتركني من غير سلام، فيحضنها الزوج، وهو يردد: قتلته الأحلام، قتلته أطماع الساسة، فهو يريد الراتب، ليفرح به في هذا العيد، ولكن فرحته دفنوها هناك في رمال حارقة. تشتم الأم ثيابه، وتحضن حتى حذاءه، وتكاد تمزقها، وهي تردد هذا عطره مازال، بالله لا تجرحني، وقل لي: إنك تمازحني، وسأسامحك، قل لي: هذه كذبة، مجرد كلمة خرجت من غير قصد، ولكن الزوج يرددها، فلذة كبدي، والله مات، مات، مات، فيقع مغشياً عليه، لقد مات الأب، فتسقط بعد سقوطه معلنةً نهاية أسرة قتلتها أطماع الساسة.