الحلقة الأولى : خفت ان أموت او يموت صاحبي في هذه الجائحة من غير أن يجري قلمي في سيرته العطرة الحافلة بالعطاء والإنجاز منقطعي النظير، كما قال الشاعر : وقد خفت ان ألقى المنية بغتة وفي النفس حاجات إليك كما هيا أحب الناس إلى قلوبنا ،نجد *صعوبة بالغة في الكتابة عنهم،وإذا كتبنا نشعرُ بعدم رضانا عما كتبناه ، لأن الكلمات تخذلنا ، فتقع قريبا من الموضوع وليس في صلبه ، وأنها لم تستطع أن تتحمل زخم المشاعر والأفكار التي يكتنزها القلب ويؤرشفها العقل. ان الكتابة عن اخي وصديقي وأستاذي العزيز ناجي أحمد محسن بقيت مشروعا مؤجلا ، فكلما هممت أن اكتب أجلت ذلك تهيبا ، لقادم الأيام ، وما أسرع مرور الأيام!! وقد قيل ( التأجيل لص الزمان ) -اكمل دراسته الابتدائية في مدرسة الرباط ، وهي مدرستي ومدرسته ومدرسة الأجيال فوق الجبل في ذلك السفح المنبسط البسيط. لكني حين التحقت بهذه المدرسة في الصف الأول في العام الدراسي 72 م _73 م كان الأستاذ ناجي وعدد من زملائه قد اكملوا الصف الخامس وانتقلوا إلى ، الحبيلين لإكمال الدراسة في مدرسة الصمود الابتدائية، ومن ثم اكمال المرحلة الإعدادية في إعدادية الشهيد لبوزة. وحين كنتُ في الصف الثالث. ابتدائي وصل الأستاذ.ناجي. ذات صباح إلى مدرسة الرباط معلما جديداً في المدرسة ، ولعله أول واحدعينّ معلمامن ابناء المنطقة فلم يعلمنا احد قبله من أبناء حالمين قاطبة. استقبلنا هذا الخبر بالإيجاب والإعجاب والعجب فلم نكن نتصور بعقولنا الطفولية ان يحدث ذلك . فهذا مدرس جديد من أبناء المنطقة، نسمع عن قريته،و أبناؤها يدرسون معنا فليس هو من لحج ولا من عدن ، او من طور الباحة او غيرها كما تعودنا وتعود الطلاب الذين قبلنا ثم انه من خريجي هذه المدرسة نفسها التي عاد إليها معلما .كان شابا صغيرا نحيلا هادئا،في عينيه تتألق ابتسامة وسيما ذكاء ، لم يستمر في تدريسنا طويلا فسرعان ماقيل لنا إنه انتقل إلى المركز ، اي إلى حبيل الريدة ، عاصمة المركز الرابع حالمين، لكنه لم يغادر الساحة التربوية، التي لم يغادرها حتى الآن ، إذ تعين. مشرفا لإدارة محوالأمية. وتعليم الكبار ، التى تتبع مكتب التربية والتعليم في المركز نفسه (حالمين) . كانت حبيل الريده آنذاك خبتا اجرد ، فلا منازل قريبة ولا مطاعم ، ولا كهرباء هناك فقط مباني حكومية قليلة ومتواضعة، بناها المواطنون تطوعا وهناك مستشفى قيد الإنشاء، شارك المواطنون في بنائه بنسبة كبيرة، وهو إلى الآن ما يزال المستشفى.الرئيس.في.حالمين..وهناك عدد من الدكاكين القليلة في ذلك الحبيل الأجرد المسمى (بحبيل الريدة ) . لقد كانت الحياة قاسية في هذا الحبيل وكانت الطريق إلى الحبيلين وعرة عبر سيلة حلية، وحردبة مع ندرة وجود السيارات.فمن كان مستعجلا في أمره ولم يجد سيارة فليس أمامه إلا أن يمشي على قدميه إلى سيلة الردوع حيث تمر سيارات الضالع بعد تخلصها من نقيل الخريبة الوعر متجهة إلى الحبيلين وعدن. كانت مراكز محو الأمية منتشرة في قرى حالمين وما أكثرها ! ولكن حالمين مترامية الأطراف ولم تكن عاصمتها في وسطها بل كانت في أقصى جنوبها لهذا كان المركزالسابق الحالمي هو : اسفل شرعة قبل أن يكون المركز في حبيل الريدة ومع هذا لم يكن ذلك المكان مناسبا ولا وسطا ، اما حبيل الريدة اليوم فقد أضحت.مدينة.وهي مؤهلة للاتساع من جميع جوانبها لولا سوء التخطيط الحضري لها . حبيل الريدة تعد أقرب إلى الحبيلين عاصمة المديرية الشرقية ولكنها بعدت عن قرى حالمين، ماعدا قرى قليلة هي قريبة منها مثل : النوبة وحبيل مدفر والسمّح ، وبوران وغرابة وبلاد المالكي وغيرها. لقد مثلت تضاريس حالمين مشكلة امام حركة التنمية والتطور فيها، ولم يكن هناك مكان أفضل من حبيل الريدة عاصمة لها بحكم انبساطه وسعته وقربه من المدينة . وكان أستاذنا الشاب يجوب القرى حاملا حقيبته التي كانت بمثابة مكتب له فيها الختم والأوراق وغيرها وأكثر رحلاته كانت مشيا على الأقدام من أجل زيارة مراكز محو الأمية وتعليم الكبار ، ويبدو أن تلك الفتره المبكرة من حياته العملية قد أثرت فيه ، فمال إلى التواضع والبساطة في الإداره وعدم التعقيد وتقديس الرسميات، وكأنها هي العمل نفسه . فالمهم هو الإنجاز وسيرورة العمل وتجاوز الصعوبات وليس الوسائل والأدوات بحد ذاتها رغم اهميتها. مرت _سنوات قليلة ، فعلمنا ونحن لانزال طلابا في الابتدائية ، أن الأستاذ ناجي أحمد محسن قد أصبح مساعد مشرف التعليم في المركز الرابع حالمين، اما المشرف نفسه للمديرية كلها وهي المديرية الشرقية فإن مكتبه في الحبيلين اما _مساعدوه فهم مسؤولون عن التريية والتعليم في مراكز المديرية المختلفة ويسمى كل واحد منهم مساعد مشرف التربية والتعليم. كان هناك تقشف واقتصاد حتى في المصطلحات نفسها فالمسؤول عن التربية والتعليم في المركز ليس مشرفا ولكنه مساعد للمشرف، فما ضير إن سمي مشرفا، ويسمى مشرف المديرية مديرا مثلا ولكن لكل زمان مصطلحاته واسماؤه ومناصبه، بيد أن هذا التقشف في التسميات والمسؤوليات كان يدل على دقة النظام. وسيطرته فالمديرية مثلا لها مأمور وهو الرجل الأول فيها، اما المراكز فيسمى من يديرها مساعد.المأمور ،. وقس على ذلك الإدارات الأخرى، ولعل مثل هذا التنظيم له علاقة بالصلاحيات لكل من المديرية والمركز. فالمديرية الشرقية تتكون من : المركز الأول الحبيلين ، والمركز الثاني الملاح والمركز الثالث حبيل.جبر والمركز الرابع حالمين( حبيل.الريدة ) ، وهذا تعامل رقمي وليس مناطقيا ، واما تقسيم المديريات فكان حسب الجهات من حيث موقع المديرية من عاصمة المحافظة . فمديريتنا اسمها : المديرية الشرقية بينما يافع كانت تسمى المديرية الغربية في حين أن يافعا هي التي تقع شرق ردفان وحالمين. ولكن سميت بذلك لأنها تقع على غرب زنجبار عاصمة المحافظة الثالثة (ابين) التي تتبعها . ومديريتنا الشرقية تقع في الجهة الشرقية من الحوطة عاصمة المحافظة الثانية، لحج وهكذا . لقد حلت الأرقام والجهات محل المناطق تذويبا لأي نزعات مناطقية. بعد توحيد سلطنات وإمارات ومشيخات الجنوب الحبيب.