في عام 2015 حينما كنت أتابع إجراءات الدكتوراه بالسفارة اليمنية بالمغرب، وحيث إني وجملة من الزملاء لسنا من التبادل الثقافي، كان روتين القبول لابد أن يكون عبر السفارة، ويحتاج منا إلى صبر وطول نفس؛ كوننا خارج الحصة المتفق عليها بين الدوليتن، مرت أربعة أشهر ونحن في الأنتظار، فتارة نجد بصمة الأمل، وتارة منا من يعود محبطا، ومنا من يسشيط غضبا في وجه السفارة، وفي يوما ما التقيت بالدكتور الخاشب رحمه الله، عند خروجي من السفارة، فسلم عليه قائلا: سبحان الله كلامك حركاتك مزحك، جديتك يذكرني برئيس مركزنا! فشخصت إليه العين متسائلة؟ قبل اللسان: من هذا الذي تقصده؟ قال لي: تذكرني بالدكتور صالح الصوفي رئيس مركز مناهج التدريس. فضحكت، وقلت له: هو ابن خالتي! كم كانت فرحة الدكتور الخاشب حين علم بذلك، وأخذ يضمني لصدره بقوة، عرفت أنها ليست لي، فهي ضمة لزميله ورئيسه، ارتسمت صورته في قريبه فذكرته بمعلمه، وحبيبه، لتعبر عن مدى حب موظفيه وزملائه له، وتعلقهم به. أنطلق لسان الدكتور الخاشب بلا استئذان يثني على رئيسه، ومن هو الدكتور صالح بالنسبة لهم، فتجسدت بصمات الدكتور لتكون رفيقة لنا تحكي لنا عند الدكتور صالح رحمه الله: الإخلاص، الإتقان، الحرص، الجدية، الهمة العالية، الطموح، التواضع، النزاهة، العشق للعمل، التضحية، الأب في نصحه وحزمه ولطفه وشفقته، والأخ في قربه ومزحه. لم يستخدم الدكتور صالح عصي سحرة فرعون ليسحر بها من يعرفه، بل هي الإرادة الذاتية التي تكونت في شخصيته التي وهبه الله إياها لتسجل له ترجمة كتبها بقلم الكرامة والبراءة. له هدف يسعى لتحقيقه هو خدمة وطنه، خدمة القلم، خدمة الطالب، خدمة المجتمع، لايهمه العراقيل والألغام التي تقف في طريقه، فهو أكبر منها، لا يعرف اليأس، ولا الكسل بل هما عدواه، لايحب الشهرة والمدح فعمله هو اللسان الناطق له في الوجود، لايحب أن يتقمص ثوبا ليس له، ولا أن يدخل إلى جيبه شيء لايستحقه، فنزاهته وعزة نفسه جعلته رجلا عاديا لايمتلك مايمتكله أولوا المناصب، صعد على كرسي لخدمة القلم والمعرفة والتلميذ والأمة لا لخدمة بطنه ونفسه، والفرق واضح. حقيقة كان أكبر من الكرسي الذي يجلس عليه، والمنصب الذي وكل إليه، لكن لايهمه ذلك، فهو مقتنع بعمله؛ لأن المنصب عنده هو الجدية، والتضحية، والنصح، والخدمة والإتقان، وإيصال رسالته، فعلو المرتبة ودنوها لايغير هذه الخصال، فهو قلم مليء بالحبر يبحث عن ورقة يكتب فيها، لايهمه بهرجة الغلاف، ولا لون الورقة، ولا من يملكها، قال لي الدكتور فوزي النخعي، قلت له يوما: يادكتور هل تطمع أن تكون وزيرا للتربية؟ فابتسم كعادته قائلا : يابني الإنسان يستطيع أن يخدم بلده من أي منصب، ومن أي عمل، وهو مقتنع به ويحبه. هذه العبارة هي بحد ذاتها تلخص لك من هو الدكتور صالح، وماهي طموحاته. الدكتور صالح سلم يرتقى عليه، ومصباح يستضاء به حيا وميتا، كتبت أنامله دورسا للأجيال عن نهر العطاء والنزاهة، والصدق، والإخلاص، والهمة العالية. ابتسامته الصباحية الجذابة هي فطور موظفيه، وكلماته الراقية والمهذبة المشحونة بالجدية والإحساس بالمسؤولية هي غذاؤهم. لا أخص بالعزاء أهله وذويه، ولا قبيلتنا ولا محافظته، ولا السلك التعليمي، بل أعزي اليمن كله برحيل مزن العطاء والبذل، أعزي اليمن بالمصيبة التي حلت عليه بفقد كادر من كوادره المخلصين، والحمد لله على قضائه وقدره. لاتبكي ياخالة فداك قلبي: فنعمَ ماربيت، ونعمَ ماصنعت يداك. لقد صنعت قائدا جعل حياته كراسة مليئة بالأمل، والجدية، والهمة العالية، قائدا يقول لنا: أبذر البذرة، ولو قهرتك موانع الطبيعة، اسقها اسقها اسقها فيوما ستكبر وتثمر وينتفع بها. رحمك الله يا دكتور رحمة واسعة وغفر ذنبك وجعل ما قمت به في ميزان حسناتك.