لا يختلف اثنان على وطنية الأخ ياسر اليافعي ذلكم الإعلامي الجهبذ الذي لا يشق له غبار ، فقد سخر قلمه وكل طاقاته وملكاته الإبداعية في خدمة القضية الجنوبية والدفاع عنها بكل إخلاص واستماتة ليس من اليوم فحسب بل منذ وقت مبكر من عمر الثورة الجنوبية ... ولكن وكما يقال لكل جواد كبوة ، وكبوة اليافعي مطالبته عبر قناة الغد المشرق باستقدام كفاءات خارجية لإدارة الملف الخدمي . لأنه بهكذا تصريح قد نقل صورة سلبية عن الجنوبيين وأظهرهم بأنهم فاشلون وعاجزون عن إدارة دولتهم المرتقبة ، وهذا من شأنه أن يثير تحفظات المجتمع الدولي وبالأخص الدول العظمى ويجعلها تقف سداً منيعاً أمام تطلعات الجنوبيين باستعادة دولتهم ؛ خوفاً على مصالحها لاسيما أن الجنوب يمتلك أهمية جيوسياسية كبيرة وأن أي فشل أو فوضى في هذا البلد سينعكس بكل تأكيد على تلك الدول ويعرض مصالحها للخطر ، كما أن هذا القول يعزز مزاعم الخصوم السياسيين الذين يكيلون الاتهامات للجنوبيين بمناسبة أو بدون مناسبة بأنهم فاشلون وليسوا برجال دولة ولا يصلحون لإدارة دولتهم .
ويمكنني القول إن ما ذهب إليه اليافعي منطق أعوج وطرح غير موفق ... فبدلاً من أن نطمئن العالم ونؤكد للقاصي والداني إننا رجال دولة بحق وحقيقة وقادرون على إدارة كل شؤوننا بأنفسنا حتى يساعدوننا ويقوفون إلى جانبنا سياسياً ولا يمانعون على استعادة دولتنا ، نقوم بأنفسنا نثبت العكس ونطالب بمن يتولى شؤوننا في سابقة لم تحدث في العالم ، وإن وجدت مثل هذه التجارب في بعض الدول كالخليج وماليزيا واندونيسيا - كما ذكر اليافعي - فهذه الدول وضعها السياسي يختلف تماماً عن وضع بلدنا الجنوب الذي لا يزال يبحث عمن يعترف به أولاً كدولة مستقلة ، وبالطبع لن يعترف بك أحد إلا بعد أن يتأكد بأن مصالحه مصونة ويضمن بأنك جدير بالاعتراف وقادر على تولي زمام الحكم وألا تتحول إلى دولة فاشلة تصدر الفوضى للعالم الذي يعاني أصلاً من مشاكل عدة .
لذلك ندعو ياسر اليافعي إلى التراجع عن مثل هذا الطرح لأنه بالإضافة إلى ماورد آنفاً ً؛ فهو انتقاص صريح من الجنوبيين أنفسهم وإساءة بالغة في حقهم ، فالجنوب مليء بالكادر والكفاءات وفي كل المجالات ، ولكن مشكلة الجنوبيين أنهم لا يضعون الشخص المناسب في المكان المناسب كما أن معظم الكوادر قد همشوا وحوربوا لاعتبارات سياسية محضة ، وتم ترك الفاسدين يديرون الأمور بدون حسيب ولا رقيب .. فما لكم كيف تحكمون ..!!.
أستاذ ياسر ليس مبرراً أن نبحث عن أجنبي يحكمنا بسبب فساد أحد المسؤولين الجنوبيين الذي بالإمكان إقالته ومحاسبته وتعيين شخص آخر نيابة عنه من الكفاءات والتكنوقراط وما أكثرها في الجنوب .
ولأن الاعتراف بالحق فضيلة ، فيجب أن نعترف إن قيادتنا الموقرة لا تمتلك إلى اليوم - أي حتى بعد إعلان الإدارة الذاتية - القرار السياسي الحر ، أو أنها لا تمتلك الجرأة والشجاعة الكافية على التغيير الجذري وإقالة المسؤولين الفاسدين وتعيين الكفاءات الذين بمقدورهم إدارة شؤون البلاد بدون الحاجة إلى الخبرات الأجنبية التي قد تستنزف خزينتنا وبدون طائل ، وقد كان لنا تجربة مريرة مع الخبرات الأجنبية ، وكلنا يتذكر الخبراء الروس وما عملوه بحق بلدنا ، فلا داعي لتكرار ذات التجربة والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين .