وهكذا أصبح الأستاذ ناجي أحمد محسن مساعد مشرف التعليم في المركز الرابع حالمين ، ولعل ذلك كان في السنوات الأخيرة من السبعينيات، فمكث الأستاذ في هذا المنصب حتى تقاعد من الخدمة قبل سنوات قليلة، لم يفضل غيره وقد عرضت عليه مناصب أخرى في إطار حالمين وفي إطار ردفان خلال هذا التاريخ الطويل من نهاية السبعينات إلى ما بعد العشرية الأولى من القرن الحالي. لم يمل هذا المنصب ولم يمله المنصب نفسه ، لأنه كان بالنسبة له رسالة وليس منصبا أو مجرد وظيفة،كأنما خلقه الله تعالى ليكون تربويا يمارس عمله بمتعة وأمانة ، عاصر أجيالا وأجيالا ، وتخرج في عهده أجيال وأجيال ، عاصر حكومات وأنظمة مختلفة ، وهو ثابت في مهمته لم يتزحزح راضيا بها ولم تغره أماكن أخرى، معتداً بها لم تصغر قط في عينه لأنه عرف أهميتها ومكانتها وخطورتها . تراكمت الخبرات لديه من الميدان والتحق بدورات لمشرفي التعليم أثناء الخدمة وكذلك كان يقرأ ويقرأ. حدثني يوما إنه ينوي بناء غرفة مستقلة بجوار المنزل لتكون مكتبة ولا أدري هل حقق ذلك ام لا ، ولكن ذلك الطموح نفسه يدل على فهم عميق لقيمة القراءة وأهمية الكتاب ، ولقد كنت أجد في بيته كتبا كثيرة ، ولا زلت أذكر ذلك الكتاب الذي سمعت عنه كثيرا من قبل ولكن لم أجده في المكتبات، فإذا بي أجده في مكتبة الأستاذ ناجي ، فأخذته منها وظل في مكتبتي حتى قبل سنوات ، ولا أدري من الذي استعاره مني فلم يعده، وهو كتاب : الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن وقد علق أحد زملائي في التدريس حين ذاك على علاقتي بذلك الكتاب ، حين قال الأستاذ عبد يطلع القرب ومعه كتاب المقالح، ورجع منها وهو متابط للكتاب نفسه !! وقد صدق زميلي وصديقي الأستاذ صالح علي محسن فيما قال، فقد حرصت أن أقرأ الكتاب من الغلاف إلى الغلاف، وذلك أخذ مني وقتا، وأذكر أنني كنت أقرأ لطلابي نصوصا شعرية منه ليست موجودة في المنهج المقرر وكانوا يرتاحون لذلك . وحين تناقش الأستاذ ناجي في أي موضوع تجده مثقفا فيه ويبهرك في ما لديه من معلومات في ذلك الموضوع مضيفا إلى ما لديك ومصححا لبعض معلوماتك، ثم تجده يعلق على تلك المعلومات وقد يربطها بغيرها ويذكر لك أمثلة حية عما يحدثك به من أفكار على طريقة التربويين الذين يعدون المثال أو الأمثلة سبيلهم في التدريس الناجح. كان يقول لنا : عندما نصير نحن شيوخا كبارا في السن لن نكون مثل آبائنا الذين عاشوا أميين ولم يتعلموا ولكن سنكون أصحاب خبرات وتجارب ومعارف وسنغدو مرجعيات للناس ، وقد صدق في ذلك وهو الآن كذلك مرجعية تربوية وثقافية نسأل الله تعالى ان يمد في عمره . مرت الأيام والسنين، فانتقل الأستاذ ناجي بأهله من قرية الحنكة الجبلية إلى حبيل الريدة السهلية حيث مقر عمله، فقد أعطيت لهم هناك أرض، هو وعدد من زملائه في العمل في المرافق الحكومية في مركز حالمين، الذين رغبوا في الانتقال إلى هناك واستصلاح ما تيسر من الأرض الزراعية ، وبناء منازل متواضعة لهم. كان ذلك فتحا جديدا في حياتهم وشجع آخرين أن يسلكوا هذا السبيل وبدأت المساكن تكثر في حبيل الريدة شيئا فشيئا حتى صارت اليوم مدينة واسعة . لم تكن تمانع حكومة الثورة في السبعينيات أن ينزل عدد من المواطنين من قراهم المعلقة في الجبال، ويستصلحون لهم أراضي زراعية في حبيل الريدة ، وما جاورها من مساحات حتى منطقة حلية جنوبا، حيث كانت تلك المساحات الفارغة ملكأ للدولة ، ولكن المواطنين كانوا يرغبون في البقاء في قراهم والمحافظة على مدرجاتهم المتواضعة المرصوصة في بطون الجبال وفي سفوحها.