كنت غالبا ما أصطبح في وقت متأخر، غير أن ذلك اليوم لم أصطبح، حيث كان برنامجي اليومي شديد الاكتظاظ إلى الحد الذي أنساني فطوري.. اشتريت قات وعدتُ لأجد ديوان مجلسي مكتظا بالرفاق والأصدقاء والأحبة.. كان الترحيب بي من قبل الحاضرين احتفاليا وبهيجا.. بمجرد طلتي عليهم، أفسحوا لي مجالا للجلوس.. وكما نسيتُ الفطور المتأخر للصباح، نسيت تناول وجبة الغذاء.. بدأت التخزين والحديث والاهتمام من حولي يدور جاذبا وآسر.. قبل الساعة السادسة بدأت أتعرّق، وبدأ الغثيان يزداد ويشتد.. بدأ وجهي يسود ويكفهر.. أحسست ببداية حمّى تعتريني وطعمها المر يلسع لساني.. ظننت إن سبب ذلك يرجع إلى أني خزنت دون أن أغسل القات.. اعتذرت للحاضرين منوها أنني لم أغسل القات، وأنني أشعر بغثيان وحمى.. دخلت لأتقيأ.. كنت أشعر بانقباض شديد، ومعدة أكاد أن أتقيئاها.. اكتشفت أن معدتي خاوية وفارغة ولا يوجد ما أتقيؤه.. تذكرت أنني خزنت دون فطورا أو غداء.. *** في حملتي الانتخابية وأنا أستقل السيارة في طريق (المداكشة ، النويحة) وهي طريق مكسّرة وصعبة، ولا تخلوا من وعورة أمام السيارات، إلى درجة تتنفس الصعداء حالما تصل نهايتها.. كنا نرتطم ببعضنا تارة، وبهيكل السيارة تارة أخرى.. تتصادم أجسادنا ببعض ونترادع أحيانا بالرؤوس.. نبدو في الطريق والسيارة التي تقلنا، وكأننا راكبين على ظهر حمار.. وفيما كنتُ مخزن شعرت بغته بالجوع يداهمني ويهد قواي.. كنت لا أريد أن أرمي بالقات من فمي، لأنه يعينني بقدر ما على منع الغثيان، أو على الأقل تأخيره بعض الوقت.. أردت أن أحتال على الجوع، وأحافظ على بقاء القات في فمي.. اشتريت حلوى لأسد بها رمق الجوع، وتفاجأ من كانوا معي في السيارة أنني أريد أن آكل الحلوى وفي نفس الوقت لا أخرج القات من فمي.. كنت اعتقد أن الأمر سهلا، فالقات الذي أمضغه في جانب واحد من فمي، فيما أنا سأستغل الجانب الآخر بأكل الحلوى.. سأفعل هذا بحذر وأجعل الحلوى تتسلل إلى معدتي الجائعة بسلاسة وخفة، دون أن أتعرض للقات في الجانب الآخر.. نصحني الجميع فيما عارضني بشدة صديقي ردمان النماري.. فلم أمتثل للنصيحة ولم استجب للاعتراض.. حشيت الجانب الفارغ من فمي بقطعة الحلوى، وبدأت أمضغ الحلوى في الجهة المقابلة للقات، وفجأة ساح القات بطريقة عجيبة وسريعة إلى معدتي، لم أكن أتوقعها، تسلل وأنساب القات إلى معدتي ربما قبل أن تصل قطعت الحلوى الممضوغة إليها.. قررت أن أكمل أكل الحلوى لأشبع جوع معدتي بعد أن خسرت قاتي.. لا أريد أن أخسر القات والحلوى معا ودفعة واحدة.. صرت العصفورين الذي أصابهما الحجر.. واصلنا السير بالسيارة.. وبعد قليل داهمني الغثيان.. بدأت جبهتي وصدغي يتفصد عرقا.. بدأت أشعر بالضيق والدوار.. بدأ فمي يمتلئ ماء ولعاب، حاولت الإمساك بما في فمي، وأمنع نفسي من أن أتقيأ، إلا أن اندفاع القيء من معدتي إلى أعلى كان أكبر وأقوى.. تقيأت، وأخرجت ما في معدتي.. كنت أشعر وأنا أشهق وأتقيأ إن معدتي هي الأخرى تريد أن تغادرني، أو تخرج من جوفي.. أحسست أنها تريد أن تطلقني بالثلاث، لولا أن العصمة كانت في يدي. ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، يتبع..