شيماء طفلة قصة طويلة كتبتها أنامل نكبة غامضة، عاشت القسوة، أورثتها الحرب جرحاً، وحزناً، تجلُد الذات، وتلعق الجراح في أسرة ثنائية، تجرعت اليتم في وقتٍ مبكر، تبكي منذ الصرخة الأولى بعد الميلاد، وقعت ضحية الموت، والزمن، والفقد في آن، إذ طبع الغياب على حياتها وشم لم يمتحِ، لم تكد تفتح عينيها على هذه الحياه إلا على وفاة والديها، اللذان لم تعرف عنهما شيئاً سوى صورة معلقة في الجدار أعلى سريرها، أو حديث جدتها الدامي الذي يسرد لها الوجع. كل ليلة تندب الحظ وتبكي قدرها الذي جاء بها إلى هذا الكوكب، تنظر الى وجه جِدتها التي شارفت على الموت تخاف أن تموت وهي أملها الوحيد، تسكن معها في دارٍ قديم يتداعى للخراب، فقد ماتت أمها في ليلة الحناء اثر انتظارها لوعود كثيرة من زوجها بالعودة، الذي تركها حامله "بشيماء"وذهب إلى جبهة ما كجندي في السلك العسكري الحديث لتأمين أمنهم الغذائي، لكنه بعد أن أخذ اجازة من الضابط هم بالعودة وأثناء ذلك سقط في طريقه صريعاً قبل وصوله إلى البيت. هكذا عرفت شيماء تفاصيل القصة من جدتها، وأجبرها الواقع أن تعيش خصاصة الحياه وألم الفقد، وهكذا حاولت أيضاً أن تظل حبيسة ذلك الدار في خدمة جدتها، ومواصلة الحياه بأي حال، وتحت أي ظرف كان نصيبها، لكن حياتها البائسة في أسرة فقيرة أجبرتها على العمل كمكنسة لمدرسة ما تقع في الجوار من القرية لتوفير قيمة مايعينها وجدتها على مقاومة الجوع، ومكابدة الواقع.ياللوجع! لكم هو العيش صعب. فبمرور الزمن كبرت شيماء وأشتد عودها ووجدت في نفسها رغبة للدراسة، وتحقيق حلمها كأي فتاة في القرية، حيث قررت دراسة الأدب على هامش حبها للغة، ومعانتها العاطفية التي دفعتها لباكورة الإعلام، فكرت بذلك الحلم الذي يراودها كثيراً، كيف بإمكانها أن تصل وهي تعيش على راتب بسيط لم يكفِ لسد احتياجات المطبخ فضلاً عن كفايتها لتكاليف الجامعه.! نعم فكرت، لكنها عجزت، ماذا ستفعل؟ ثمة لعنة وقفت عقبة كأداء في طريقها، هناك النصف الأول من أسمها عرقل طموحها، شيءٌ ما منعها عن سد رغبتها. كل الأرصفة تحالفت ضدها، فأخذت تترنح مابين الهاوية والسقوط، بين الحلم والمعاناة، تشرع النظر نحو مستقبل وقلبها مليء بالخيبات. لم تفعل شيئاً، وعادت الى جدتها، مستسلمة لليأس، دخلت الدار على جدتها، فوجدتها هناك تنازع الموت، حضنتها وودعت الشهقة الأخيرة للحياه، وماتت شيماء في حضن جدتها. الأولى خنقها العمر، والأخرى سممتها المعاناه.