حسين السقاف تمثل هذه الكتدرائية أو المسجد رمزية عالية للوضع السياسي والثقافي لتركيا العلمانية والاسلامية في الآن نفسه ، فعملية تحويل هذه المنشآة اليوم من كتدرائية إلى مسجد ، هو بمثابة تدشين عودة الدولة العثمانية ، والذي يتم ذلك اليوم برغبة دولية ، كما تم إنهائه أيضاً برغبة دولية عام 1926 بواسطة الزعيم التركي (مصطفى اتاتورك). الذي حول هذا المسجد إلى متحف عام 1935 ضمن سلسلة من الإجراءات العلمانية التي قلبت الوضع الثقافي والسياسي في الدولة التركية رأساً على عقب. الزعيم التركي رجب طيب أردغان بعد عمر طويل سيكون قبره هنا حيث يرقد أمجاد الامبراطورية العثمانية. أو بالأصح الخلافة الإسلامية. لا تدركون حجم الأموال التي جمعها الإخوان بتسهيل دولي وإقليمي لهذه الغاية من سنوات طويلة. كان للنفط العربي أكبر إسهام في هذه الغاية ، وكان اليمن و العراق قد أسهما في ذلك بقوة مادية كبيرة، ففي اليمن تمت المساهمة بدءً بموارد شركة الموارد البحرية ، ثم شركة المنقذ ،ثم مناجم الذهب في حضرموت بوادي مدن ،ثم حقول النفط -الغير مسجلة رسمياً- في اليمن ، وثم موارد الحكومة الشرعية التي تمكن أنصار الله الشركاء في هذه العملية بفاعلية . من يموت في هذه الحروب ليس من أتباع الاسلام السياسي بشقيه السُني والشِيعي ولكنهم من الأغيار ،المحسوبين على بقايا العهد القومي الآفل. لقد وحَّدَ الإسلام السياسي كل طاقاته وإمكاناته بعد ان افتعل حرباً باردة بين فرقاه ، وظف لهذا التمويه عشرات القنوات الفضائية للإيهام بأن هناك صراع طائفي بين فرقاه . اليوم الإسلام السياسي أصبح الوحيد والمطلق في الساحة السياسية الإقليمية . ودأب على العمل من سنوات طويلة على انجاز مشروعه ، بدء بدعم الاقتصاد التركي كمركز لخلافته الفتية. ولعل الربيع العربي قد اسهم كثيراً في لم الشمل لأصحاب هذا المشروع ليتم تشاورهم في ترتيب بيتهم الجديد. للإيضاح أكثر فإنني أقول بأن هناك تنسيقٌ بين ولايتي الفقيه وولاية المرشد ، ذاتي التوجه السياسي الواحد بعيد عن الطائفية ، وبعيدا عن القُطرية. الجائزة الدولية التي ستكون لهذا المشروع السياسي الجديد هو عودة فلسطين على انقاض تلك الدويلة العبرية المؤقته التي اُقيمت بموجب وعد بلفور عام 1917 بمقتضيات مصالح استعمارية آفلة . ، تماما كالوعد الذي يتحقق اليوم على الواقع باعادة قيام الامبراطورية التركية. اليوم سيعاد للإسلام السياسي إعتباره ، لإقامته على انقاض المشروع القومي الآفل ،في كل البلد العربية وفي تركيا وأيران ولدى الأكراد أيضا . هذا المشروع الذي استُهدفت -في وقت مبكر - كل بُنَاه على كل المستويات ، ثقافياً وسياسياً وعسكرياً بما في ذلك طاقاته البشرية والقيادية. الزوبعة لبعض الدول والمؤسسات الكَنسية المطالبة بإعادة (آيا صوفيا) إلى كتدرائية ، لن تعدو عن كونها مؤقته ، سرعان ما ستجلو الساعات القادمة أمرها أمام الأمر الواقع فالزعيم أردغان لن يتراجع عن قراره ، وربما التفَّ حوله ملايين الحيارا من أبناء جيلي. الذين لم يشهدوا طوال عمرهم الهرم مشهد إنتصار واحد. ربما قال قائلٌ: أين مصر من كل ذلك؟ ولكنني أقول له لو تتبعت تأثيرات الربيع العربي وتبعياته السياسية على مصر ومآلات الوضع السياسي والثقافي فيها . لأدركت أن مصر لن تختلف تحولاتها الثقافية والسياسية الدرماتيكية عن تحولات (آيا صوفيا). هذه ليست هرطقة قلم ، ولكنها ملخصاً لدراسة تحليلية ضافية قائمة على المعطيات والمتغيرات على الواقع الدولي والاقليمي والمحلي. والتي كانت تجري بسلاسة ذكية لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن لإستبدال مشروع الإسلام السياسي كبديل للمشروع القومي الذي تم سحب البساط من تحت أتباعه تدريجياً حتى تم أو كاد تدميرة.