هاكم اليوم مقولة سادت ولازالت في محافظة إب وبضع أخرى في اليمن. كم سجن منطقُها من مظلومات، وكم أراق معناها من دماءٍ بريئة! أخمّن أن قائلها أحبّ فاتنةً عفيفة، طاردها كثيرًا بنية المغازلة لا أكثر، وحينما أدرك بأنها صعبة المنال؛ عشقها وأرادها زوجة ولأنها رفضته خطفها وفعل الأفاعيل بها. فلنفرض بأن أميرة أبيها عادت -بعد استعادة وعيها- لتستنجد بالقبيلة، دخلت القرية تعرج، وكانت قد خرجت منها غنجاء تهتز الأرض مع تمايل خصرها الباسق. وقفت بشجاعة أمام شيخ القبيلة، وأهلها المسلحين، واتهمت المجرم بخطفها، وطالبت برد اعتبارها، والثأر لشرف القبيلة. وبعد شهادة الراعي الذي رآه يضربها ب"صميلٍ" خلف رأسها أثناء تأملها الغنم. قال الشيخ مقولته الشهيرة:" الرجال رجال، اقطفه من القمامة واتشقر به، وهي الا مرة مصدر غواية، وعار!". ثم اتجه للفتاة المكلومة ليسألها السؤال المعهود: "موو فعلتِ عشان تجذبي نظره؟! مابيلحقك هكذا لله في الله!! ". من هول الصدمة بركت الفتاة على ركبتها؛ لتصمت. نظرت نظرة استجداء لإخوانها الكبار؛ فقرأت في أعينهم الخزي منها. وقبل صدور الحكم طلب المجرم أن يقول كلمته... أذن له الجميع؛ ليقول المقولة التي نالت من نساء إب تباعًا. ظلمتهن كثيرًا، وإن كان ليس على الدوام، لكنها تظل إسقاطًا مجحفًا في حق معظمهن. المهم.. انتبهي الشكوى يا بنتي. فليتحرش الرجل الوضيع متى ما شاء. وليدق رقمك عشوائيًا في أي وقت. وليعرّض بالكلام القبيح الذي يجمّله كمشقر حين يريد.. اكتمي الأذى، وتجنبيه قدر الإمكان. احظري الأرقام في صمت. لا تأخذك العزة ب"التوديفة" يا فتاتي؛ مهما نالت منكِ المضايقات لا تتوقعي والدًا حنونًا يربت على كتفيكِ ويضرب صدره قائلًا: "لا تخافي يا صغيرتي، أنا سندك، جوارك، وأثق بتربيتي لكِ مهما قالوا".. لا تنتظري أخًا واعيًا يأخذكِ لعيادة طبيب نفسي، وفي السيارة يعطيك "الآيس كريم" ثم يواسيكِ بالكلام العذب: "بعدك رجال يا أختي، لا تدعي الموقف يؤثر على نفسيتك، الذي يرشك بالماء بنرشه بالدم". ولا حتى شيخًا عادلًا يعاقب الفاعل دون تقليل بالمفعول به! لن يصل صوتك للمحاكم لأنه عورة، تفهمين؟! لا تنتظري بطلكِ الواثق بعد إعجابه بشخصيتك المستقلة أثناء قولكِ لكلمة "لا" في مجتمع رباكِ على "حاضر، نعم". حتى إن كان فعلًا معجبٌ سيتذكر أن يومًا ذكرتكِ الألسن في مسألة شرف وإن كنتِ المدّعي ستظلين وريثة حواء بالاتهام منذ الشجرة الملعونة. أعود للمجرم بعد أن أنصتَ له الملأ وهو يصدح ببرود ويرد على كيل التهم المنسوبة إليه بجملة أصبحت دستورًا في التعامل مع النساء؛ قالها بلا ذرة حياء، وهو يشبر جسدها المنكمش، ويمسح على ذقنته التي تلمع بالشهوة: "الكلب ما يجي إلا مدعي!" كبر الحاضرون مباشرةً وكأنه قال ما يُنتظر، وجه أهل الفتاة الأسلحة لرأسها؛ نظرَت لهم بدهشة واستسلام. صدفةً كان هنالك بضع كلابٍ أحسسنَ بالإهانة، حاولن الاعتراض على المثل، نبحت الكلاب ثم نبحت حتى بُحّ صوتها.. إحدى المسنّات جذبها التجمع وهي عائدة من السوق للبيت، وكان بيدها كيلو سمك، قفز الكلب الجائع بوثبةٍ واحدة، لم ينتبه أحد لا لتقامه سمكها من يديها قبل أن يهرب. فهمت العجوز الإشارة، تركت السمك في فم الكلب ثم عبرت الزحام لتنقذ الفتاة. توقف قلب الفتاة ذعرًا ومع ذلك رشوها بسيل من الرصاص قبل وصول العجوز الغائب صوتها بين تكبيرات الحاضرين. بارك المجتمع فعلة العائلة، وهنأوهم بالإنجاز الضخم. أقاموا لأسبوعٍ الأفراح، وقبروا الصبايا الملاح. وأنتِ يا سماح تفزعك من عمق كابوسكِ رنةً من متشرد لعين، تشربين كأس ماء، ثم تفعّلين وضع الطيران، وتكتمين في سرّك أيضًا قولكِ:"آاح ياقلبي آاح"!!.