وعدتُ أمي بأن أشتري لها بقرةً جديدة بمجرد أن أصل الهند لتحقيق حلمي، ووقعتُ الوصول لأخواتي حتى أتمكن من تسديد ذهبهن. داعبتُ ابن جارنا الذكي بفخرٍ قائلًا " هيي خالد حبيبي.. إذا ذاكرتَ دروسك بجد ستصبح مثلي ". أغمضتُ عيني -على غير عادتي -أثناء الغداء، وغصتُ مع لذة السمن والحقين في جامعةٍ عالمية شهيرة أكون فيها الطالب اليمني الأول بامتياز. قبّلتُ "فأس" أبي الذي ارتبطت حفرياته -ذهنيًا- بميثان إيثان بروبان بيوتان بنتان هكسان هبتان أوكتان نونان ديكان.. والذي منحتني موسيقاه سلطة الحفظ دون نسيان. قبلتُه ثلاثًا لأنه من سهّل عليّ نجاحي فغدوتُ الثاني على مستوى الجمهورية. قبل البعثة قبّلتُ أيضًا جبين جدي، حثثته بأن يقاوم ألم السرطان حتى أعود طبيبًا وأنقذه من بين فكّيه. واسيتُ والدي بعد أن باع جنبيتهُ العتيقة، وأرض جده الوحيدة لأجلي؛ كونه لايثق بما تخبئه الأقدار لي في الغربة. انكسر طبشور معلمي فوعدتهُ بأن أنقذ بقايا أنامله بأقلامٍ صحيّةٍ وسبورةٍ بيضاء. دمروا أبراج الكهرباء لنغط في ظلامٍ عميق، فشقّ صوتي شموعًا لأبناء قريتي البسطاء، حين أحضر لهم مولّدًا ضخمًا يكفيهم عناء الحرب ويغنيهم. قبل البعثة ضربتُ صدري لدائن العائلة بكل ثقة وهمستُ بأني سوف أعطه أكثر مما أخذ والدي لكن سرًا بيننا، فابتسم الرجل وغمز لي بخبث. خطبتُ ابنة عمتي سعاد، وأهديتها خاتمًا رخيصًا بشكلٍ مؤقت، وجزاء انتظارها لي سوف أغمرها بممتلكات الملكات. طلبتُ من أمي أن تعد لي الكعك، والفطير، والسمن، والحلقة الحامضة.. ففعلت بكل حب. وحضرتُ مع أختي الكبيرة المطبخ طوال اليوم، لتعلمني كيف أعصد، وكيف أهرِش، وكيف أعدّ اللحوح. زارتني نساء لاأعرفهنّ، وفي أيديهن صرّةً صغيرة. هذه خاتم، وهذه أقراط، وهذه جنيهات ذهب. استغربتُ هذا الكرم. فقالت لي إحداهنّ: "ابن صديقتنا صفية هو ابننا، وأنت تفوقتَ يامحمد، وسهرتَ الليالي لترفع رأسنا وتصبح فخرًا لنا" أكملت أخرى:"أنت أملنا الكبير ياولدي، وهذي مجابرة بسيطة تعينك على مصاريف الدراسة جنب المعاش الذي شتجيبه لك الحكومة، مانشتيك تهتان، نشتيك ياولدي تركز على دروسك وترجع تداوينا". قاطعتها أخرى:"ذاكر وافهم بيدك وأسنانك وعقلك، وعقلبك وانتبه من بنات الأجانب، بنت عمتك مراعية لك، وكلنا بانتظارك عشان تنقذنا ياإبني ". قبل البعثة حدث الكثير، وتوقعتُ ماهو أكثر.. لكن!!.. سأخبركم لاحقًا بما حدث بعد البعثة إن كنتم لاتعلمون. بعد_فوات_البوح 18/7/2020 #اصرفوا_مستحقات_الطلاب_المبتعثين-في الخارج