{ مرعبل } بين جدتي والشاعر الشنفرى كنت أحيانا عندما أزور جدتي رحمها الله وأسألها : كيفك اليوم يا بنت علي؟ تجيبني بقولها : والله يا ابني شفني ( مرعبلة) تقصد، متعبة؛ مريضة؛ تشعر بالإرهاق. وكلمة (مرعبل) تسمع في دثينة وخاصة عند كبار السن فتسمعهم يقولون( بابور مرعبل) يقصدون سيارة قديمة مهترئة. وقد كنت أظن أن هذه الكلمة من ضمن كلمات لهجتنا البدوية التي ليس لها أي أصل في قاموس العرب، وبينما كنت يوما أقرأ لامية العرب -- القصيدة الجاهلية الشهيرة للشنفرى -- إذ وقفت عند كلمة ( مرعبل) وذلك في قوله وهو يصف يوما شديد الحرارة : نصبت له وجهي ولا كن دونه ولا ستر إلا الأحتمي المرعبل فاستوقفتني هذه الكلمة خاصة أن سياق البيت يدل على أن المقصود بها معنى يتطابق تماما مع معنى كلمة مرعبل في لهجتنا في دثينة. فالشنفرى يقول أنه قطع البيداء في يوم حار شديد الحرارة وليس بينه وبين الشمس كنان يكنه ويستره إلا الأحتمي أي البرد من الثياب الممزق المهترىء. ثم نظرت في قواميس اللغة العربية فرأيت المعنى يتطابق تماما مع الكلمة في لهجتنا، فقد جاء في لسان العرب لابن منظور : ورعبل اللحم / قطعه والرعبولة/ الخرقة الممزقة وثوب مرعبل/ أي ممزق والرعابيل/ الثياب الممزقة ونحو هذا في القاموس المحيط للفيروز آبادي وفي المعجم الوسيط : ترعبل / تقطع وتمزق والمرعبلة / الخرقة الممزقة وفي الخبر : أن أهل اليمامة رعبلوا فسطاط خالد بالسيف ( أي مزقوه ) وفي معجم الصحاح للجوهري رعبلت اللحم / قطعته وثوب مرعبل / أي ممزق . ثم وجدت أن كعب بن زهير قد ذكر هذا المعنى في قصيدة بانت سعاد الشهيرة التي مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : تفري اللبان بكفيها، ومدرعها مشقق عن تراقيها رعابيل أي أنه مخرق ممزق. وقال الفرزدق : ومحتقرين السير قد أنهجت لهم سرابيل أبقاها الذي قد ترعبل أي الذي تقطع وتمزق. وذكرت كذلك في أبيات شعرية أخرى لا نطيل بذكرها إذ في ما ذكر الغنية. الخلاصة أن كلمة مرعبل التي تستخدم في منطقة دثينة لغة فصيحة أصيلة جاءت من عمق الكلام العربي الفصيح .