أدهشني صمتهم!كانوا جميعاً يحدقون في وجهي بنظرة تحمل الكثير من الهلع والإشفاق والأسى،كنظرة الوداع الاخيرة التي يلقيها الاصدقاء عادة على صديق عزيز...سألني احدهم بحذر:هل سبق لك أن كتبت على قادتنا العظماء؟ قلت: لا،ولكن معرفة طرق التفكير لديهم أصبح ضرورة؛وأخيرا قال احدهم بلهجة بطولية،كما لو كان يتطوع للحرب أو يعمد فارسا من فرسان العرب القدامى:صديقي،أكتب ونحن معك!! تتجلى سياسة بعض الزعماء "الجنوبيين"- على طريقة"أسمع جعجة ولا أرى طحينا"- في كل محنة يمر بها الجنوب...وفي كل مناسبة نسمع خطباً وتصريحات تطلق فيها الوعود الكبيرة ويخلو منها السلوك اليومي العملي،والمهم أن الماساة الجنوبية لم تواجَه حتى اليوم بغير الكلام والتزمير والمزايدات الخطابية،ولم يتم تحويل الجنوب الى جنوب مزدهر ومتطور،بل كل مافي الامر أن كلمات"بليغة" ألقيت في تشجيع اهل الجنوب!
الحظور الخافت لقادة الجنوب،وتحديقهم الطويل في وجوه بعض،أربك نشاط وحماس الجماهير،تنام الجماهير وعقولهم تفكر في القادة،وتصحى وهي مشغولة بذات التفكير،فاتجهت أسال وابحث عنهم ،طمعاً في الحصول على شيء يرشدني الى فهم الحقيقة،فلم أجد سوى تلك الدروب المؤلمة،وكانك تبحث عن المستحيل،فهم لا يخفون شهيتهم لامتلاك الخلاف فيما بينهم، والاهمال في الدفاع عن الجنوب يجعله لقمة سائغة...
كلنا يتذكر أن الجنوب كان ذات يوم، واحدُ من أقوى دول الجزيرة،كانت له أيام مجد،ولعل المراكب المحملة بالذهب والطيب والبهار والبخور كانت تمر من هذا المكان بالذات والحياة تفور بكل مظاهر الرخاء...واليوم يجلس شاطئ عدن حزيناً ،يتساءل بدهشة بالغة:لماذا؟ماذا يدور في عدن؟بل ماذا يدور في أي مدينة جنوبية غير عدن! لعل الجنوب فريد من نوعه في الدنيا..إنه الوطن الوحيد الذي تحتكر فيه طبقة واحدة كل مظاهر البؤس والفقر والحرمان،أو اللامبالاة على الأقل...في حين تغرق الطبقة الراقية بكل مظاهر الرخاء والثراء،وأنا لا أتحدث عن بعض الأسر الثرية،وإنما اتحدث عن الناس الطيبين البسطاء..عن الشعب الذي يتحدث الجميع باسمه ويحكمون باسمه.
ارقصوا أيها القادة لأن وطنكم يحترق،دعوا افكاركم ترسم واقع الجماهير...واسكبوا فيه نور الثورة على القيود،فأنتم القادة وخلفكم الملايين؛ولستم مهرجين في بلاط الاثرياء،بل انتم مسحوقون كملايين البسطاء........وليكن رقصكم؛ ثورة ضد الخلاف،لا أداة له ضد أنفسكم،ساهموا في تحويل نار الثورة الى مطهر،وألسنة اللهب الدامية الى فجر ثورة الانسان الجنوبي.