ورد عن النبي (ص) قوله : (من قال هلك الناس ...فهو أهلكهم ). وكلمة أهلكهم تحتمل أن تكون هو المتسبب في هلاكهم إذا قرأت بالفتح وإذا قرأت بالضم فتعني إنه هو الهالك وليس هم . هناك فريق من الناس لا يروق لهم العيش إلا في مستنقع الدعايات ومزابل التخذيل وحانات الكذب والدجل والزيف . أولئك ينظرون بخبث ولئم إلى الواقع فلا يرون فيه إلا الجانب السيء والوجه المظلم والمنظر القبيح والواقع المؤلم فيجدونها فرصة سانحة لبث سموم التخذيل وحقن مصل الذل وقتل همم الناس ووأد حلمهم في الانعتاق من حياة الذل والمهانة والاستبداد أؤلئك شرار الخلق .. فتراه يردد ...الأمة ماتت لا خير في الناس ... لا جدوى حتى من مجرد التفكير في تغيير الواقع وغيرها الألفاظ التي تحمل روح الانهزام واستمراء حياة الذل والعبودية . هذا الفريق يعمل بدأب لإيجاد الأرضية الخصبة لتصدير دعاياته وبث سمومه ونشر خبثه وإشاعة لؤمه ..وذلك حتى يغلق أبواب الأمل في وجه التغيير ويمعن في كسر إرادة الناس وإطالة سباتهم . وللأسف هذا الفريق المعد إعداداً فائقا من قبل دوائر الاستخبارات العالمية يجد آذانناً صاغية لتلك الدعايات الخبيثة من قبل شرائح واسعة في المجتمع آثرت الصمت والتحفت بلحاف الذل وتدثرت بعبائة الاستسلام... فأقنعت نفسها بقبول الواقع المؤلم أياً كان شكله وطعمه ولونه. والحقيقة التي ينبغي إدراكها جيداً أن هناك جولات من الصراع بين الحق والباطل والخير والشر والاستبداد والحرية وهذه الجولات أزلية أزلية... وستبقى إلى أن يرث الله ومن عليها . قال تعالى : (وتلك الأيام نداولها بين الناس ) . واليوم نحن في جولة من جولات الصراع ... أي نعم الجولة الحالية لقوى الاستكبار العالمي وأذنابهم ...ولكن هل يدعونا ذلك إلى الخنوع والذل والاستسلام والرضا بالواقع المؤلم؟ بكل تأكيد هذا الواقع الذي تمر به الأمة يأباه كل حر وكل شريف وكل من لديه ذرة من كبرياء . لا ننكر أن الجراحات غائرة جداً ..والمعاناة فوق الطاقة ..والآلام لا تحتمل ..ولكن كل ذلك لحكمة يريدها ربنا سبحانه وهي ضريبة لا بد من دفعها ثمنا للحرية والانعتاق من حياة العبودية والاستبداد . وهذه سنة إلهية في قانون الصراع . ألا ترى إلى ركام الجاهلية الضخم الذي واجهه الرسول (ص) بداية دعوته ... لم يتم إزاحته إلا بعد تلك المعاناة القاسية التي تعرض لها هو وأصحابه والتي سمعنا بها وقرأنا عنها والتي تفوق الخيال. ومع ذلك لما تمض فترة العقدين من الزمن حتى تم إزالة ذلك الركام الضخم من القيم والخرافات والتصورات والمعتقدات. وهكذا هي سنة الصراع في الأجيال المتعاقبة بعد عصر النبوة والتابعين . وقد صاحب تلك الجولات من الصراع أذى الذباب الألكتروني المتمثل في طابور المنافقين الذين كانوا يتحينون الفرص للنيل من المسلمين ويكفي أن نشير هنا فقط لتلك الدعايات التي روجوا لها إبان غزوة الأحزاب التي كادت أن تعصف بالمسلمين لولا لطف الله فبينما كان المسلمون يقاسون ذلك الواقع الذي بلغت فيه القلوب الحناجر... أنبرى الرسول (ص) يثبت أصحابه ويفتح لهم أبواب الأمل في فتح قصور فارس والروم وصنعاء ...عندها تحرك الدباب الألكتروني لبث سمومه وخبثه ولؤمه للنيل من عزيمة المسلمين ...فقال القائل اللئيم منهم : محمد يعدنا بفتح فارس والروم والواحد منا لا يستطيع قضاء حاجته وهي قولة خبيثة ربما تنطلي على الكثيرين لأنها تلامس الواقع . ولكن ثبات الرسول (ص) والصحابة وصبرهم وعزيمتهم أبطل مفعول تلك الإشاعات ...فجاءهم الفرج من حيث لم يحتسبوا وكفى الله المؤمنين القتال.. حيث هبت الريح لتقتلع أولئك المشركين وتذهب بهم إلى حيث جاؤوا . لقد مرت الأمة بنكسات عنيفة ومنيت بهزائم قاتلة وتعرضت لهزات مؤلمة لا يكفي المقام هنا لسردها .. وكلها مرت وانتهت والأمة الإسلامية لا تزال تواصل رسالتها العالمية السامية . واليوم رغم الكيد والتآمر من الصديق قبل العدو ...إلا أن بوادر حركة التحرر والانعتاق من قيود العبودية والتبعية قد بدأت ملامحها وتجلت صورتها وتبلورت معالمها. ولحكمة يريدها ربنا سبحانه وتعالى يتأخر النصر حتى تستكمل شروطه . ما ينبغي أن ندركه ... أن الأمة الإسلامية قد تضعف...لكنها لا تموت. قد يخفت ضوؤها لكنه لا ينطفي ... قد تتعرض لنكسات..لكنها لا تنكسر. مزيدا من الصبر .. مزيدا من الثبات .. مزيدا من الجهد ... وستفرج قريبا بإذن الله . (ويقولون متى هو ؟قل عسى أن يكون قريبا ).