عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم .. هذا اليوم يحظى بمكانة خاصة عند المسلمين وذلك لما له من قداسة في نفوسهم . وهو يوم عظمه الله وعظمه رسوله وقال عنه (ص) هو يوم من أيام الله ,وقد كان معظماٌ في الجاهلية أيضا وكانت اليهود تعظمه وتتخذه عيدا لأنه اليوم الذي نجى الله فيه سيدنا موسى وأتباعه وأهلك فرعون وأعوانه . فهذا اليوم يعتبر معلما من معالم التدبير الإلهي ومشهدا من مشاهد التأييد الرباني وآية من آيات المكر السماوي.. ففي الوقت الذي طغى فيه فرعون وتجبر وأعلن الربوبية وادعى الألوهية واستحل محارم الناس وقتل أطفالهم ظلما وعدوانا ومارس كل أشكال الظلم والقهر والاستعباد والتعدي على حقوق الناس ... حتى أوصل الجميع إلى اليأس والقنوط والإحباط من زوال ذلك الباطل وسقوط عرش الطاغية. فبينما كان الناس على هذه الحالة _ من الذل والمهانة والاستعباد _ بعث الله سيدنا موسى الأعزل البسيط إلى فرعون الطاغية المتجبر المتكبر .. فوقف عليه السلام في وجهه ودعاه إلى التوحيد وعبادة الله ...فثارت ثائرته وارغى وأزبد وهدد وتوعد فأراد أن يقتل موسى ويتخلص منه فأخذ يقتل أتباعه وينكل بهم ويعذبهم .. فخرج سيدنا موسى ومن معه هربا من كيد فرعون وجبروته حتى إذا كانوا تلقاء البحر نظروا إلى الخلف فإذا بالطاغية وجنوده خلفهم يريدون اللحاق بهم . فقال من خارت قواهم وتزعزع إيمانهم ...(إنا لمدركون ). وهكذا هو الحساب المادي المجرد البسيط .. البحر أمامهم والعدو خلفهم ولا حلية لهم ولا طاقة بهم لمواجهة جيش فرعون .. والحساب بهذه الطريقة منتهي لأنه لا مجال حتى لمحاولة يائسة .. هنا تظهر قيمة الإيمان بالله والثقة المطلقة بنصر وتأييده وعونه ... عندما يبذل المؤمن كل وسعه في مقارعة الظلم ويستنفذ كل جهده في مواجهة الطغيان ثم بعد ذلك يلجأ إلى السماء رافعا أكف الضراعة والدعاء والنجاء وهنا تتدخل إرادة السماء وهذا ما فعله سيدنا موسى حيث قال لأصحابه . (كلا إن معي ربي سيهدين ) هكذا في ثقة مطلقة ويقين جازم وفي شدة وتوكيد.. كلا لن نكون مدركين , لن نكون هالكين ,لن نكون مفتونين . وفي تلك اللحظات الحاسمة التي يتقدم فيها فرعون الطاغية وهو على ثقة مطلقة من التنكيل بتلك العصابة المؤمنة... ينبثق الشعاع المنير في ليل اليأس والحزن والكرب والقنوط .. حيث يأمر الله موسى بأن يضرب بعصاه البحر وهنا تتجلى قدرة الله ويتجلى تأييده وحفظه ونصره لأولياءه .. فما أن لامست العصاء ظهر البحر إلا وانفلق فرقين وإذا به وكأنه جسر عبور آمن فمر عليه موسى ومن معه في أمن وأمان وسلم وسلام .. فدهش الطاغية مما يرى ولكنه واصل سيره متعقبا تلك الفئة المؤمنة حتى إذا ما توسط البحر وقد خرج موسى ومن معه ضرب موسى البحر مرة أخرى فعاد إلى وضعه فالتهم فرعون وجنوده في غمضة عين وانتهى ذلك العهد البغيض ودالت دولة فرعون وانتهى طغيانه إلى الأبد ثم تجلت حكمة الله بأن يلفظ البحر تلك الجثة النجسة لتكون آية لمن يعتبر إلى قيام الساعة . هكذا تجلت إرادة الله أن تكون نهاية ذلك الطغيان والتكبر بتلك العصاء الصغيرة البسيطة لتكون عبرة لمن يعتبر وهي إشارة إمتهان.. للمجرمين إنهم لا قيمة لهم في عين الله . واليوم ونحن تمر بنا هذه الذكرى والأمة الإسلامية تمر بأسوأ مراحل تاريخها وقوى الاستكبار العالمي تسرح وتمرح وتقتل وتبطش وتتحكم في مجريات الأحداث .. في هذا الوقت هناك من يحاول الوقوف في وجه ذلك الصلف العالمي وصده بكل ما يملك وهناك فريق ملأ الخوف والجبن والخواء واليأس والإحباط كل جوانحه ولا ينفك أن يردد إنا لمدركون .. ...إنا لمدركون... فلا داعي حتى للمحاولة يائسة .. هذا الفريق مهمته التخذيل وغرس بذور اليأس والإحباط والقنوط والاستسلام واستمراء الذل والعبودية والتبعية لذلك نحن بحاجة اليوم أن نرفع شعار (كلا إن معي ربي سيهدين ) . فالله الذي نصر عبده الضعيف في مثل هذا اليوم وانهى حقبة من حقب الصراع بين الحق والباطل سينصر الحق وسيبطل قوى الاستكبار العالمي . إن هذا اليوم له مكانة عزيزة في نفوس المؤمنين تجلت بتعظيم الرسول محمد (ص) له حيث أمر بصيامه قبل أن يفرض الصوم ولما فرض الصوم ندب صيامه وأخبر أن صيامه يكفر سنة ماضية ويستحب أن يصوم المسلم يوما قبله أو بعده مخالفة لليهود .