العاشر من محرم من كل عام يصادف الذكرى السنوية لسقوط عرش الطاغية الكبير فرعون وانتصار النبي الثائر كليم الله موسى عليه السلام ,إنه بحق يوم عظيم ,عظمه الله وعظمه رسوله وعظمه الصالحون من عباد الله , لكنه في هذا العام له طعم خاص , ولون خاص , ونكهة خاصة , استمدها من صفاء شمس الربيع العربي التي أحرقت بأشعتها جرثومة الطغاة المتعفنة, فأصابتها في مقتل , لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو لماذا هذا الاحتفاء الكبير بسقوط طاغية من الطغاة لدرجة أنه احتفاء تجاوز الزمان والمكان والشخوص ؟؟ هاهي عشرات القرون تتعاقب , ولا يزال أهل الإيمان يتواصون بصيام هذا اليوم شكرا لله عز وجل على هلاكه ,يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فيرى اليهود يصومونه رغم اندثار معالم ديانتهم , فيقول نحن أحق بموسى منهم ويأمر بصيامه ,لا شك بأن هنالك دلالات كثر لكن الدلالة الأولى التي يمثلها هذا الاحتفاء تؤكد بأن الطغاة هم أعداء الله في الأرض وأن بقاءهم فيها يشكل خطرا كبيرا وشرا مستطيرا فالطاغية تتأذى منه البلاد والعباد و الشجر والدواب وبهلاكه تستريح كل الكائنات بل يستريح الكون بأسره ,فهلاك طاغية من الطغاة وإن بعد زمانه أو مكانه يضفي فرحة كبرى لعموم المستضعفين في الأرض مهما تناءت بهم الديار وهي فرحة مشروعة عبر عنها الشرع هنا بعبادة الصيام. أما الدلالة الأخرى فتؤكد بأن هذا اليوم كان نقطة تحول كبرى في الصراع بين قوى الظلم والاستكبار بقيادة فرعون كرمز للشر وبين قوى العدل والخير بقيادة موسى عليه السلام كرمز للخير, لقد سقط الطاغية في هذا اليوم , وسقطت بسقوطه كل القيم الزائفة ,سقط الظلم العظيم , سقط القهر , سقط الاستبداد ,وسقط الاستعباد ,وسقط الخوف وفي المقابل علت كل القيم السامية , علا الإيمان ,علا العدل العظيم ,علت الحرية , علت الكرامة , علت المساواة , انتصرت الإرادة
ومع هذا فإن عظمة هذا اليوم لا يدركها على حقيقتها إلا من أدرك عظمة الرسالة التي جاء بها موسى عليه السلام , لقد كانت رسالة موسى عليه السلام رسالة تحرير وإنقاذ , إنقاذ لأمة من مشهد مظلم وصورة قاتمة " إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين" لقد كان أمام موسى عليه السلام وهو يخطط لهذه الثورة الكبرى تحديات عظمى لكن التحدي الأعظم في أتون هذه الثورة إنما كان يتمثل في تحرير إرادة الأمة المستضعفة التي قضى عليها الطاغية بصلفه وطغيانه وجبروته ,تحرير إرادة التغيير , إرادة التحرر , إرادة النهوض" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" لقد اعتقد قومه بأنه لا حياة لهم بدون فرعون , ولا عزة لهم بدونه , ولا رفعة لهم إلا به , فكان لابد لموسى عليه السلام من اقتلاع جذور هذا الذل وذلك الخنوع من النفوس حتى تتهيأ لمواجهة الطغيان.
فهل نزعنا لباس الذل والخنوع من نفوسنا ؟ وهل نجحت ثورات الربيع العربي في اقتلاع هذا الذل وذلك الخنوع منا ؟ أم أن البعض لا زال حبيس ذله وخنوعه...؟؟؟؟