تعيش صناعة السياحة في دول الربيع العربي أوقاتا عسيرة هذه الآونة، مع التراجع الحاد في أعداد السياح القادمين لتلك الدول، وما يعنيه ذلك من انهيار في عوائد السياحة، وخاصة للدول التي تعتمد على ذلك القطاع كأحد مصادر الدخل القومي، مثلما هو الحال في دول شمال أفريقيا وعلى رأسها مصر. ورغم نجاح الثورة التونسية في الإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ثم نجاح الثورة المصرية في إزاحة نظام حسني مبارك، إلا أن الشواطئ الشهيرة كشاطئ شرم الشيخ في مصر أصبحت خالية من روادها بعد قرارات شركات السياحة إجلاء سياحها عن تلك الشواطئ وإسقاط مصر من برامجها القادمة خوفا على حياتهم في ظل الإنفلات الأمني الذي واكب الثورة ويبدو مستمرا حتى الآن.
ومع الحرب الأهلية الطاحنة التي شهدتها ليبيا بين الثوار وأنصار الرئيس الليبي السابق معمر القذافي ، واستمرار الاحتجاجات والمواجهات الدامية بين المتظاهرين المطالبين بالإصلاح والجيش الموالي للرئيس السوري بشار الأسد، فإن السياح الأوروبيين أصبحوا أقل ميلا للمغامرة بزيارة أي دولة في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
فإذا ما أضفنا لما سبق الهجوم بالقنابل على مقهى في مراكش بالمغرب مما أسفر عن مقتل 15 شخصا في أبريل نيسان الماضي ، مع تواتر الأنباء بين حين وآخر عن أحداث طائفية في مصر ، والاحتجاجات المناهضة للحكومة في البحرين واستمرار الحرب بين المحتجين المطالبين بالإصلاحات والجيش الموالي للحاكم في اليمن، فإن كل ذلك يجعل العام الحالي عام تحد لم يسبق له مثيل لصناعة السياحة في الشرق الأوسط.
ولكن مع اقتراب ذلك العام الصعب من نهايته، فإن القائمين على القطاع السياحي يشعرون بالثقة في أن الأمور ستعود إلى طبيعها سريعا، إن لم تكن قد بدأت تعود بالفعل. وكان دافعهم لتلك الثقة هو اعتمادهم على سلاح قديم ومجرب في مواجهة الأزمات وهو التخفيضات السعرية لاجتذاب السياح إلى العودة من جديد.
وشهدت لندن خلال الأسبوع الحالي المؤتمر السنوي لبورصة السياحة العالمية، حيث يتجمع وزراء السياحية وأصحاب الشركات السياحة والمسوقون وأصحاب الفنادق وغيرهم من المحركين للعجلة السياحية في أنحاء العالم.
المؤتمر كان فرصة كي يؤكد مسؤولو السياحية في دول الشرق الأوسط على فكرة أن الديمقراطية الوليدة في بلادهم، والانتخابات في كل من تونس ومصر، وإسقاط نظام القذافي كلها عوامل جذب كي يشاهد السائح عالما جديدا في تلك الدول إلى جانب ما يتوقعه من آثار وترفيه. عام صعب والواقع أن القطاع السياحي يسهم بقدر لا غنى عنه في الدخل القومي لتلك الدول، ففي تونس يعمل 400 ألف شخص في مجال السياحية وتقدر مساهمة السياحة في الدخل القومي بنحو بنحو 2.5 مليار دولار سنويا.
وقد بدأت أعداد السياح القادمين إلى المنطقة في التزايد بالفعل، ولكن من المفهوم أن استعادة الأرقام السابقة على الثورات يعتمد بدرجة كبيرة على مدى جدية الإصلاحات السياسية في تلك الدول وقدرة حكوماتها على توفير الأمن للقادمين.
ويعترف منصف بطيخ المسؤول في مكتب السياحة التونسي الحكومي بأن نسبة الانخفاض في عدد السياح القادمين إلى تونس بلغت 45% خلال العام الحالي.
ويقول بطيخ إن "العام الحالي كان صعبا، ولكننا فخورون بأن 150 ألف سائح قرروا مواصلة جولاتهم السياحية في تونس أثناء الثورة ولم يصب واحد منهم بسوء." ويضيف "نحن الآن دولة ديمقراطية واجرينا انتخابات حرة ونزيهة وسلمية، والحكومة الإئتلافية دخلت طور التشكيل الفعلي".
ويؤكد بطيخ أن أعداد السياح في تزايد ملحوظ الآن، ولكن الأهم هو أن أهم شركتي سياحة في بريطانيا وهما توماس كوك و تي يو آي قررتا زيادة حصة تونس من برامجهما التسويقية للعام القادم2012.
أما عن فوز حزب النهضة الإسلامي بأغلبية المقاعد في البرلمان التونسي خلال الإنتخابات الأخيرة، فيقول بطيخ أن الحزب معتدل وحريص على مصالح تونس الإقتصادية، كما انه لن يحكم منفردا بل ضمن ائتلاف. مصر الأهرامات مقصد سياحي راسخ للسياح القادمين إلى مصر حدد المجلس العسكري الحاكم في مصر يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني موعدا لإجراء الإنتخابات التشريعية التي هي الخطوة الأولى في مسيرة إرساء ديمقراطية حرة في مصر.
ويبدو حزب الحرية والعدالة الموالي لجماعة الإخوان المسلمين مرجحا للفوز بأكبر عدد من المقاعد في مجلس الشعب الجديد، مما يزيد المخاوف من أن يكون ذلك سببا في تصعيد حدة التوتر القائم بالفعل بين المسلمين والمسيحيين في مصر.
ويقول محمد يوسف المدير التنفيذي لشركة "راماسايد" السياحية المصرية إن هناك مبالغات إعلامية في وسائل الإعلام الغربية عند الحديث عن فتنة طائفية في مصر. ويضيف أنه إذا "اختلف شخصان على شيئ في مصر وتبين أن أحدهما مسلم والآخر مسيحي فإن الخلاف سرعان ما يتحول في وسائل الإعلام الغربية إلى صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين". ويؤكد محمد يوسف قائلا "الحقيقة أن زيارة مصر آمنة للغاية، والحقيقة أنني كثيرا ما أشعر بالخوف وأنا أسير في بعض ضواحي لندن أكثر مما أخاف عند المشي في شوارع القاهرة". وأيضا يوضح يوسف أنه لم يحدث أن أصيب سائح واحد بخدش اثناء الثورة المصر، كما لم تتعرض أي منشأة سياحية لأي تخريب أثناء الثورة أو بعدها". وإلى جانب ما يتحدث عنه محمد يوسف من أمان، فإن يطالب ايضا بعودة السياح الغربيين إلى مصر كي يشهدوا تجربتها الجديدة في الديمقراطية. ويقول "اتمنى أن يأتي الناس ويشاهدوا مصر في ثوبها الجديد..على العالم أن يساعدنا ويشجعنا في تلك التجربة". وهناك دلائل قوية على ان السياح شرعوا بالفعل في العودة إلى مصر. كانت مصر قد استقبلت في العام الماضي 15 مليون سائح ، ومن المتوقع ألا يقل عدد السياح حتى نهاية العام الحالي عن 10 ملايين سائح. ماذا عن الخليج ؟ وبالرغم من أن مملكة البحرين ليست مقصدا تقليديا للسياح الغربيين، إلا أن حملة العنف التي نفذتها السلطات ضد المتظاهرين المطالبين بالإصلاحات خلال شهر فبراير/شباط الماضي لم تكن هي افضل الوسائل لتحسين صورة البحرين في عيون العالم. ولكن البحرين تشارك بجناح في سوق السياحة العالمية في مركز المعارض الشهير "إكسيل" في لندن كما يسعى القائمون على الجناح لاجتذاب الزوار بابتسامات عريضة. كما أنهم يردون على الصحفيين بكل بشاشة، طالما لم يتطرق الحديث إلى الموقف السياسي في البحرين. ولم يكن مستغربا أن يقرر مكتب السياحة السوري مقاطعة فعاليات مؤتمر بورصة السياحة العالمية هذا العام. كما غابت ليبيا عن المؤتمر، ومع ذلك فإن الخبراء يتوقعون نموا مبهرا في القطاع السياحي الليبي ليصبح قاطرة مهمة في الإقتصاد، إذا ما أخذت في الاعتبار حقيقة الثروة السياحية الكبيرة التي تتمتع بها ليبيا من شواطئ على البحر المتوسط وآثار رومانية مبهرة، فضلا عن قربها الشديد من أهم أسواق السياحة القادمة من أوروبا. أما المغرب، وهي مقصد سياحي مستقر للسياح الأوروبيين، فإنها لم تتأثر كثيرا بأحداث الربيع العربي. عبد الحميد عبدو مسؤول السياحة المغربي متفائل بالعام القادم ويتوقع المدير العام لمكتب السياحة المغربي عبد الحميد عبدو أن تحتفظ المغرب في عام 2011 بنفس معدلاتها السياحية السنوية المعتادة مع تحسن كبير متوقع خلال العام القادم. ويقول عبدو إنه خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول من العام الحالي سجل مكتب السياحة المغربي زيادة نسبتها 3% في عدد السياح الوافدين من خارج المغرب بالمقارنة مع العام الماضي، فضلا عن زيادة نوعية نسبتها 8% في عدد السياح من بريطانيا على وجه التحديد، وذلك بالمقارنة مع تراجع حاد تتراوح نسبته بين 30 و 40% في عدد السياح القادمين إلى الدول الأخرى في شمال أفريقيا". ويؤكد عبدو أن القطاع السياحي المغربي يتوقع أن يكون 2012 عاما طيبا، ولكن مصدر الخوف الوحيد هو حالة الضعف التي تعتري الإقتصادات الأوروبية في الوقت الراهن. ورغم بعض الاحتجاجات الكبيرة في شوارع المدن المغربية للمطالبة بالإصلاح، إلا أنها في مجملها كانت صغيرة بالقياس للحركات الشعبية الجارفة في مصر وتونس وسوريا، كما سارع العاهل المغربي محمد السادس بطرح سلسلة متتالية من الإصلاحات السياسية الملموسة. وكان أبرز تلك الإصلاحات تعديلات دستورية تستهدف تعزيز دور المؤسسات الديمقراطية والمزيد من الحماية لحقوق الإنسان، وهي إصلاحات حظيت بما يشبه الإجماع الشعبي في الاستفتاء الذي أجري في يوليو/تموز الماضي. ويرى الخبير السياحي مايك بجسجانج أن ملامح الصورة الشاملة لمنطقة شمال افريقيا توحي بأن أعداد السياح الوافدين خلال العام القادم 2012 ستبدأ في التزايد ولكن بصورة بطيئة، وأن ذلك التحسن سيكون مرهونا بتنفيذ الإصلاحات السياسية التي وعدت بها ثورات المنطقة.