الرزامي يهاجم حكومة الرهوي: الركود يضرب الاسواق ومعاناة الناس تتفاقم وانتم جزء من العدوان    محافظ تعز يبحث مع مسؤول أممي أزمة المياه والحلول الممكنة    ما وراء حرائق الجبال!!    المقاومة العراقية تنعَى مسؤول وحدتها الأمنية في غارة صهيونية على الحدود    سريع يكشف متى ستستهدف قواته السفن والبوارج الامريكية في البحر الأحمر..؟    الخارجية العراقية :نجري اتصالات مكثفة لوقف العدوان على إيران    تدشين الدورة الآسيوية لمدربي كرة القدم المستوى "C" بالمكلا    برعاية طارق صالح.. الإعلان عن المخيم المجاني الثاني لجراحة حول العين في المخاء    حملة لازالة البساطين والعشوائيات في باب اليمن    أشغال محافظة صنعاء يزيل أكثر من 30 مخالفة بناء عشوائي    نجم مانشستر سيتي في طريقه للدوري التركي    الرهوي يشيد بجهود وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية    الطوارئ الإيرانية: إصابة 14 من طواقم الإسعاف وتضرر 7 سيارات جراء العدوان الصهيوني    إحباط عملية تفجير غربي إيران واعتقال عنصر مرتبط بالموساد    ليفاندوفسكي يحدد وجهته بعد حقبة برشلونة    الشغدري يتفقّد مشاريع خدمية في دمت بالضالع    وزيرالكهرباء ومحافظ المحويت يناقشان أوضاع مشاريع المياه والصرف الصحي    إخماد حريق في منزل بمنطقة شملان    تشيلسي يقترب من إبرام صفقة مؤجلة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 21 يونيو/حزيران 2025    الترجي التونسي يهدي العرب أول انتصار في كأس العالم للأندية 2025    عن "حروب الانهاك والتدمير الذاتي واهدافها"    فساد الاشراف الهندسي وغياب الرقابة الرسمية .. حفر صنعاء تبتلع السيارات    الاتحاد الأوروبي يقدّم منحة مالية لدعم خدمات الصحة الإنجابية في اليمن    على مركب الأبقار… حين يصبح البحر أرحم من اليابسة    من يومياتي في أمريكا .. بين مر وأمر منه    بين حروف الرازحي.. رحلة الى عمق النفس اليمني    قصر شبام.. أهم مباني ومقر الحكم    البحسني يكشف عن مشروع صندوق حضرموت الإنمائي    مقتل عريس في صنعاء بعد أيام من اختطافه    هل أعداء الجنوب يلبسون طاقية الإخفاء    الأرصاد يتوقع هطول امطار على بعض المرتفعات ورياح شديدة على سقطرى ويحذر من الاجواء الحارة    مليشيا درع الوطن تنهب المسافرين بالوديعة    شبكة حقوقية تدين إحراق مليشيا الحوثي مزارع مواطنين شمال الضالع    نكبة الجنوب بدأت من "جهل السياسيين" ومطامع "علي ناصر" برئاسة اليمن الكبير    هجوم إيراني فجر السبت والنيران تتصاعد في موقع وسط تل أبيب    بوتين: روسيا تبني لإيران مفاعلين نوويين إضافيين في بوشهر    علي ناصر يؤكد دوام تآمره على الجنوب    بقيادة كين وأوليسيه.. البايرن يحلق إلى ثمن النهائي    الأحوال الجوية تعطل 4 مواجهات مونديالية    حشوام يستقبل الأولمبي اليمني في معسر مأرب    صنعاء .. موظفو اليمنية يكشفون عن فساد في الشركة ويطالبون بتشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة جحاف    هذا أنا .. وفي اليمن روحي    «أبو الحب» يعيد بسمة إلى الغناء    بين ملحمة "الرجل الحوت" وشذرات "من أول رائحة"    علي ناصر محمد أمدّ الله في عمره ليفضح نفسه بلسانه    الأمم المتحدة تقلّص خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن وسط تراجع كبير في التمويل    ديدان "سامّة" تغزو ولاية أمريكية وتثير ذعر السكان    نجاح أول عملية زرع قلب دون الحاجة إلى شق الصدر أو كسر عظم القص    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    فعاليتان للإصلاحية المركزية ومركز الحجز الاحتياطي بإب بيوم الولاية    جماعة الإخوان الوجه الحقيقي للفوضى والتطرف.. مقاولو خراب وتشييد مقابر    كيف تواجه الأمة الإسلامية واقعها اليوم (2)    الخطوط الجوية اليمنية... شريان وطن لا يحتمل الخلاف    الصبر مختبر العظمة    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اقتصاديات دول “الربيع العربي": مستقبل غامض
نشر في عدن الغد يوم 30 - 12 - 2012


بقلم : د. أحمد حلمي عبد اللطيف

لقد ألقت ثورات "الربيع العربي" بظلالها على الواقع الاقتصادي المتردي بالأساس في أغلب الدول العربية، فكانت في آن واحد، سبباً لتراجع الأداء الاقتصادي، كما كانت نتيجة لميراث اقتصادي مليء باختلالات هيكلية مزمنة في كافة القطاعات الاقتصادية، وتراكم في الديون، وزيادة مفرطة في عجز الموازنات، وانتشار البطالة بين الشباب.
ساهم في هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة لبلدان “الربيع العربي” تحديداً، تنامي شعور الشعوب بأن هناك فئات قليلة من الأثرياء، وأصحاب النفوذ السياسي، استحوذت على أغلب المقدرات الاقتصادية وثمار التنمية، بينما لم تحظ الفئات الأخرى الفقيرة ومحدودة الدخل، إلا على نسبة من هذه المقدرات أو الثروات، لا تمكنها من تحقيق أهدافها في مستوى معيشة مناسب، علاوة على سوء توزيع هذه الثروات بعدالة بين كل الفئات، وكانت النتيجة المتوقعة تنامي الشعور بالظلم الاجتماعي، وانتشار الفساد المالي والإداري، فلم يكن هناك طريق سوى الإصلاح أو التغيير، أملا في تحقيق مستقبل أفضل. فبعد مرور عامين من بدء هذه التطورات، يمكن الآن تدارس الدوافع الاقتصادية، التي كانت وراءها، وما واكبها من تغيرات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
ونتيجة لكل ذلك، تنامت الدوافع التي أدت إلى اندلاع ثورات دول “الربيع العربي”. ومن المهم أن نؤكد أن هناك جانباً كبيراً من الأسباب الأخرى، التي تبدو دائماً في السياق ذاته ولا ينبغي إغفالها على المستويين الاقليمي والعالمي، وهي تنامي الفجوة التنموية بين البلدان العربية والدول المتقدمة خلال السنوات القليلة الماضية.
لماذا ثارت دول “الربيع العربي”؟
إن التغيير لصالح الحريات والعدل الاجتماعي والاقتصادي، والشراكة في الحياة السياسية مع الشعوب، لن تكون ممكنة بلا حركات شعبية، وانتفاضات وثورات تتجاوز الممكن والمعقول. وهذا ما جعل فرص الإصلاح الاقتصادي غير متوافرة في دول “الربيع العربي”، إلا أن الأوضاع الاقتصادية العربية تؤكد أن أغلب النخب السياسية في هذه البلدان، كانت لا تستطيع أن تدرك أنها ستضطر إلى التوجه نحو الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، أو أن ترحل تاركة الساحة لمن يقدر على تحقيق أهداف الإصلاح لهذه الشعوب، التي عانت طويلاً.
ولذلك كانت التجربة العربية لا تختلف كثيراً عن تجربة بعض الدول اللاتينية في السبعينات. فلا حرية بلا نزاع أو صراع ولا حقوق أو عدل اجتماعي من دون سعي وراء تحقيقها، فمن هنا بات واضحا أن الإنسان إذا أراد حقوقه، فعليه أن ينتزعها بقلبه أولا، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبيده، كما حدث في ميادين الثورات.
ومن الملاحظ هنا أن المقوم الاقتصادي في الحياة، هو المحرك الأول لكل مساعي التحرر. فالأصل في مدارات الصراع بين الحكام والمحكومين راجع أساسا إلى متغيرات اقتصادية، أدت إلى كل هذا الحراك. هذه متغيرات كانت تخدم فقط فئة دون أخرى، وحققت مصالح الأقلية الغنية بالمال والسلطة على حساب الأغلبية الكبيرة من فقراء الشعوب، والنتيجة أن اتسعت الفجوة بين أبناء الوطن الواحد، فأصبح هناك من يملك ومن لا يملك، هناك فقير يزداد فقراً، وغني يزداد غنى وثراء، وأصبح الاقتصاد محور الصراعات، لأن البقاء في الحياة مرتبط باستمرارية توافر مقومات العيش الكريم للمواطن الأقل حظاً من الثروة والدخل. فإذا فقد الإنسان هذه المقومات، فعليه أن يبحث عن حقوقه الاقتصادية بكل السبل، إذا لم تتوافر له مقابل جهده، وإذا شعر أنه يظلم فعليه من الناحية النظرية أن يؤكد لنفسه الحق في الحرية والعدل في الحصول على نصيب مناسب من ثروات الأمة، والتي أمن عليها عند مؤسسات الدولة، ويسهم بالطبع في هذا أنه لا يجد فرصة للعمل أو أن دخله لا يتناسب ومستويات الأسعار السائدة، أو أن هناك شعورا ذاتيا أن الفساد يجور على حقوقه الاجتماعية.
وفي هذه الحالة تأمل الشعوب أحيانا فى وجود حكام لا يسيطرون على مقدرات الدولة الاقتصادية بسيطرتهم على مقاليد السلطة، فإذا كانت النخبة الحاكمة فاسدة، فإن مطلب الإصلاح أصبح غير كاف، ولذا يلجأ الشعب الى التصعيد للوصول إلى الإصلاح السياسي، ويليه إصلاح اقتصادي واجتماعي يستهدف تغييرا كليا يضمن غايات العدل الاجتماعي وتوزيع الثروات والدخول، من دون تفرقة، وهذا بالطبع يمكن أن يؤدي إلى اندلاع الثورات.
وهنا لم تعد الشعوب تسأل فقط عن الخبز وحده، أو عن رفع الأجور أو حل مشكلة الإسكان وخفض مستوى الأسعار السلع الضرورية، أو البحث عن وظيفة تضمن لقمة العيش، لأن كل هذه المطالب تصبح في وقت ما فقط، جزءا من مشكلة كبرى، لأن الثورات تكون هنا للكرامة وتوفير الحقوق الاقتصادية الكلية من تعليم ورعاية صحية ومستوى معيشي لائق. خاصة إذا لم يشعر الإنسان بثمار التنمية والنمو الاقتصادي، وهو ما تؤكده الشواهد من أن منافع النمو الاقتصادي لم تتساقط تلقائيا، بل شعر الناس أن هذه الثمار تركزت في مناطق أعلى دون أن تصل إليهم، وهو عكس ما تنبأت به أغلب النظريات الاقتصادية التقليدية، ولذلك كان التفاوت الكبير بين أبناء المجتمع، والشعور بعدم العدالة، مدعاة للانفجار الشعوري والسعي القوي للتغيير، أملا في الوصول إلى ما تصبو إليه تطلعاتهم الكلية.
لقد كان لثورتي مصر وتونس تداعيات ملحوظة على اقتصادي البلدين. وكان لصندوق النقد الدولي تقديرات لاقتصاد الدولتين، فقد قدر تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي (بالأسعار الثابتة) بنحو 1 في المائة لكلا البلدين في عام 2011، بعدما كانا قد حققا نموا بواقع 5 في المائة و3.7 في المائة قبل الثورة في أوائل 2010. وكان التأثير الأكبر قبل وبعد الثورات قد طال قطاعات التصنيع والسياحة والاستثمارات الأجنبية، كما تأثر معدل البطالة والتضخم بشكل سريع تجاه الارتفاع، فقد انخفض الإنتاج الصناعي في تونس بواقع 13 في المائة في يناير (كانون الثاني) الماضي، بينما هوت السياحة، التي تساهم بنحو 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بواقع 40 في المائة خلال الشهرين الأولين من العام الحالي. وفي مصر، انخفض عدد السياح بنحو 81 في المائة خلال شهر واحد، وكان لتحويلات العاملين في الخارج نصيبها من تداعيات الاضطرابات، إذ أن عودة أكثر من 100 ألف عامل مصري تقريباً من ليبيا، نتيجة الأحداث الدائرة هناك، من شأنها أن تهوي بتحويلات المصريين العاملين في الخارج.
كما عانى ميزان المدفوعات المصري، وحقق عجزاً يتراوح بين 10 و12 مليار دولار في السنة المالية 2011/2012.
وعلى نحو مماثل، يتوقع معهد التمويل الدولي أن يصل صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر، الذي يساهم بنحو 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 2.5 مليار دولار فقط في عام 2011، وهو بذلك يمثل انخفاضا بواقع 60 في المائة عن مستواه للعام السابق، بعدما سجل 9 مليارات دولار في المتوسط سنويا خلال السنوات الخمسة الماضية.
وعلى نحو مماثل، تعاني مالية بعض حكومات دول “الربيع العربي”، والمتأثرة أصلا بتراجع الناتج الاقتصادي وإيرادات الضرائب، من اضطرارها إلى زيادة الإنفاق العام، وإجراءات الدعم التي وعدت بها الحكومات السابقة. فالحكومة المصرية السابقة كانت قد التزمت زيادة رواتب موظفي القطاع العام بنحو 15 في المائة، بالإضافة إلى إجراءات دعم للسلع الغذائية بقيمة 1.2 مليار دولار. كذلك الحال بالنسبة لتونس التي يتوقع أن تزيد الإنفاق على الرعاية الاجتماعية وإجراءات الدعم، ولكن ما نلفت النظر اليه أن هذه التوقعات لم تحظ حتى الآن باهتمام الحكومات الحالية، نظراً لأن الفترة الزمنية التي يتوقع فيها الإصلاح لا تزال قصيرة.
وقد ألقت التوقعات أيضا بارتفاع العجز في الميزانيات، والتي يقدر صندوق النقد الدولي أن تصل نسبة العجز في الموازنة العامة للدولة في مصر نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ونحو 4.7 في المائة في تونس في عام 2011.
وبالنسبة لمعدل النمو في الاقتصاد المصري، فقد حققت مصر قبل الثورة معدلا للنمو وصل وفقاً للتوقعات الأخيرة، ما يقرب من 7 في المائة، ولكن المؤكد أن هذا النمو لم يشعر به المواطن على الإطلاق، نظراً لتفاقم معدلات البطالة والفقر وارتفاع المستوى العام للأسعار. فقد قفزت نسبة البطالة إلى نحو 12 في المائة نصفهم في أعمار بين 12 و25 عاما، كما ارتفع التضخم إلى أكثر من 10 في المائة.
وفي جانب التنمية البشرية، فقد أكدت بيانات الاقتصاد المصري أن نسبة الفقر بلغت 40 في المائة، وأن الفقراء يستحوذون فقط على (دولارين) في اليوم.
أما في اليمن، فيعتبر شعبها من أفقر شعوب العالم، حيث قدر متوسط نصيب الفرد فيها من الدخل بنحو 1300 دولار على الأكثر، وأن نصف السكان يعيشون على أقل من (دولارين) أيضا في اليوم الواحد. ناهيك عن تراجع الاستثمارات الأجنبية من نحو ثلاثة مليارات دولار في الربع الأول من عام 2011 إلى 219 مليون دولار في الربع الأول من العام الجاري، وتناقص حجم الاحتياطات في البنك المركزي من 35 مليار دولار إلى 15 مليار دولار (بينها ثلاثة مليارات ودائع تركية وسعودية وقطرية) قدمت لمساعدة الدولة على النهوض بالاقتصاد. ولكن وعلى الرغم من ذلك، فمازال الاقتصاد المصري يواجه تحديات خطيرة تتطلب جهوداً من الأنظمة الجديدة الحاكمة لوضع برامج وخطط تنموية سريعة، للخروج من سوء حالة الاقتصاد، خاصة وأن حجم الدين العام تجاوز التريليون ومائتين مليار جنيه، الأمر الذي يشكل خطراً على الاقتصاد بسبب تخطي الحدود الآمنة المتعارف عليها بالنسبة لحجم الديون.
أما فى تونس فقد تجاوزت معدلات الفقر نسبة ال24 في المائة. كما بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الاجمالي نحو 40 في المائة في عام 2011، وبلغ عجز الموازنة العامة نحو 5 في المائة، وهي نسبة تنعكس سلبياً على مستوى الأسعار، التي يتحمل عبأها المواطن البسيط. هذا بالإضافة إلى انخفاض إسهام قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من 13 في المائة إلى 8 في المائة، وتراجع النمو في قطاع الصناعة بشكل ملحوظ، علاوة على تفاقم مشكلة البطالة وانخفاض الأجور وزيادة التفاوت بين الطبقات. كما انخفض معدل النمو الاقتصادي ليتراوح بين صفر و1 في المائة في عام 2011، مقارنة بمعدل نمو اقتصادي يصل إلى 5.4 في المائة في عام 2011، وهو معدل كان متوقعا قبل أحداث الثورة.
وبالنسبة لليمن، فقد بينت المؤشرات الاقتصادية الدافع وراء الثورة، في مؤشرات الفقر المدقع، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي كأهم مؤشرات الاقتصاد حتى عام 2011 إلى ما يقرب من 7 في المائة مقابل 15 20 في المائة فى عام 2010. وارتفاع معدل التضخم إلى نحو 20 في المائة، مقارنة بنحو 12 في المائة عام 2010. والأسباب نفسها تتكرر في النموذج الليبي، ومازالت الاضطرابات مستمرة فى سوريا والمحصلة اندلاع الثورات للمطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى وجه الإجمال، فإن أهم المؤشرات الاقتصادية التي كانت سبباً رئيسا لاندلاع ثورات “الربيع العربي” ارتفاع نسب البطالة، فمن المتوقع أن يتجاوز عدد الباحثين عن عمل في الوطن العربي عام 2015 أكثر من 52 مليوناً، مقابل 32 مليون شخص سنة 2010، وهو بالطبع رقم مفزع، وهذا العدد يتزايد عاماً تلو الأخر بطريقة لا يمكن خفضها، إذ لم تكن هناك إجراءات وخطط تعمل على خفض هذه النسبة بالعمل على إنشاء مشاريع، تعمل على توفير فرص عمل مناسبة.
والحاصل أن في هذه البلدان طبقتين إحداهما غنية غنى فاحشا قليلة العدد، والأخرى فقيرة، بالإضافة لتهميش الطبقة الشبابية المتعلمة التي تمثل حوالي 50 في المائة من إجمالي السكان في البلدان العربية، وتشكو هذه الطبقة من البطالة، خاصة بين حاملي الشهادات الجامعية، وعدم احترام حقوق الإنسان الشرعية، أما المسببات الخارجية للثورات العربية فترجع إلى أن الإصلاحات الجذرية التي نادت بها الحكومات العربية، كانت بتأثير مباشر من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي منذ فترة ثمانينات القرن الماضي، التي لم تؤت ثمارها، وبقيت في غالب الأحيان غير مكتملة في العديد من الأنشطة القطاعية، وبالأخص الاجتماعية، إلى جانب انخفاض التدفقات التحويلية الخارجية، نتيجة انهيار أسعار السلع الأولية الزراعية التي تصدرها البلدان النامية للبلاد المتقدمة بنسب تتراوح بين 30 و40 في المائة، وقد صاحب هذه الآثار انخفاض ملحوظ في تمويل المشاريع الإنمائية من جانب البلدان الأجنبية في عدة قطاعات اجتماعية كالصحة والنقل والسياحة، كما تأثر حجم صادرات البلدان العربية بشدة، حيث سجلت الصادرات انخفاضا تخطي 30 في المائة، في حين أن الواردات لم تسجل سوى 18 في المائة انخفاضا، مما أدى إلى العجز في الميزان التجاري بحوالي 60 في المائة للسلع و14 في المائة للخدمات إلى جانب انخفاض إيرادات السياحة في البلدان العربية بحوالي 45 في المائة.
ويقدر صندوق النقد الدولي أن دول “الربيع العربي” ستكون بحاجة إلى مساعدات مالية بقيمة 160 مليار دولار خلال السنوات الأربعة المقبلة، لمواجهة التحديات في المدى القصير. وبالإضافة إلى الضرورة الملحة لدعم ميزان المدفوعات والمالية العامة للاقتصاديات العربية المتأثرة بالاضطرابات، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن اقتصاديات المنطقة ستكون بحاجة إلى المرور بما يسمى “الانتقال الجذري” في نماذجها الاقتصادية، بهدف ضمان إيجاد حلول للتحديات الاقتصادية – الاجتماعية والسياسية التي أطلقت الثورات.
ويتلخص الحل بأن يكون النمو الاقتصادي مدفوعا بعوامل داخلية، تستفيد منه أكبر قدر من الشرائح الاجتماعية. وهو ما لم يكتسب أولوية في السياسات السابقة. فالمكاسب الاقتصادية التي كانت تحققها الشركات المهمة والقطاعات الرئيسة، كانت محصورة في قلة من المجتمع.
ولذلك فإن على الحكومات المقبلة أن تواجه ضغوطا مرتبطة بتوفير فرص العمل الكافية، لاستيعاب القادمين الجدد إلى سوق العمل. ويقدر البنك الدولي أن المنطقة ستكون بحاجة إلى توفير 40 مليون فرصة عمل جديدة، خلال عقد من الزمن، بهدف تجنب أن يؤدي العامل الديموغرافي إلى اضطرابات اجتماعية – اقتصادية وسياسية.
آفاق المستقبل ل”الربيع العربي”
وما يتبقى هو أن رد فعل الحكومات الانتقالية تجاه الأوضاع الاقتصادية المتردية محكوم بعوامل ثلاثة: عامل الزمن والوقت، الذي يمكن أن يمنحه المواطن للحكومة لتحسين الأوضاع المعيشية، وتحقيق مطالب الثورة. العامل الثاني يتعلق بضعف مؤسسات الدولة التي تقوم على تنفيذ عملية التحول والانتقال إلى الوضع الجديد سياسيا واقتصاديا، أما العامل الثالث فيتعلق بقلة الموارد المالية المتوافرة لتمويل مرحلة التحول الحرجة بسبب فقد الموارد نتيجة للفساد المالي والإداري وتفاقم حجم الديون الخارجية والمحلية، التي تمثل فقدا لمقدرات المواطنين والأجيال القادمة.
فمن المتوقع في المدى القصير، أن المبادرات المحلية في مصر وتونس والدول الأخرى ما بعد الثورة، ستقودها التوجهات الشعبية، وهذا سيمثل أهم التحديات التي تستدعي سياسات عامة تواجه التضخم وزيادة الدعم والإنفاق الحكوميين والبطالة، في ظل العجز الحكومي وسياسة السوق الحرة.
كذلك فإن الثورة التونسية والثورة المصرية وكل دول “الربيع العربي” لن تنجح إلا بإنجاح الاقتصاد، لأنه لا حرية ولا كرامة بدون ضمان العيش الكريم، من خلال مورد رزق يضمن دخلا للمواطن وفرصة عمل حقيقية وسلعة في متناول يديه، ف”الربيع العربي” يعيش الآن في مرحلة اقتصاد يقوم على استعادة الاستثمار، ووضع حلول سريعة للمشكلات التي ترتب عليها الثورات، خاصة ما يرتبط بالإنسان عصب النمو والتنمية الاقتصادية.
ولذلك فإن الحكومات يجب أن تعمل بسياسات للشعوب أولا، ومستقبل الأجيال القادمة، وذلك من خلال توفير فرص العمل وتنشيط القطاعات المنتجة محليا، ودعم القدرة على المنافسة، وهذا يتطلب مزيدا من المشروعات خاصة الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر التي تستوعب جيوش البطالة في هذه البلدان. علاوة على ذلك، فإن دول “الربيع العربي” أغلبها دول تعتمد على قطاع السياحة، وهو القطاع الذي تأثر كثيرا، وحقق خسائر كبيرة لم تشمل فقط البلدان التي هزتها رياح التغيير، بل طالت تلك التي ظلت بعيدة عن تغيير الأنظمة.. وشملت الخسائر مصر وتونس اليمن وسوريا، إضافة إلى دول أخرى لم تستطع أن تنأى بنفسها عن التأثر بما يجري في جوارها كلبنان، والمغرب والأردن وهي دول تشكل السياحة العربية والخارجية إليها مصدراً رئيسا للدخل القومي، ومصدر دخل لأعداد ضخمة من العاملين فى هذا الحقل من الشعوب.
ووفقاً لتقديرات المنظمة العربية للسياحة، فقد تكبد قطاع السياحة العربي خسائر فاقت 7 مليارات دولار خلال العام الجاري، كما أن هذا القطاع سجل تراجعاً وصل إلى 11 في المائة في بلدان المشرق العربي و13 في المائة في بلدان المغرب العربي، وذلك في الوقت الذي سجلت فيه السياحة العالمية نمواً بنحو (5,2) في المائة.
ففي اليمن، الذي زاره في عام 2010 مليون و247 ألفاً و62 سائحاً، قدَّرت الشركات السياحية في اليمن الخسائر التي تكبدتها جرَّاء الأزمة التي تعصف بالبلاد بنحو 750 مليون دولار، متوقعة أن تصل إلى (1,2) مليار دولار حتى نهاية العام الحالي 2012.
أما تونس، التي شهدت أولى ثورات “الربيع العربي”، فما زالت تعاني من تراجع الحركة السياحية جراء التأثير السلبي، الذي أحدثته أعمال العنف التي اجتاحت البلاد قبل وبعد الثورة. ويؤثر تراجع السياحة بالطبع على مستقبل 350 ألف شخص يعملون في هذا المجال أي ما يعادل 10 في المائة من القوة العاملة في البلاد. وتشير آخر التقديرات إلى أن تونس تستقبل
سنوياً 7 ملايين سائح تجتذبهم الشواطئ والغابات والمناطق الصحراوية، وهذا العدد من السياح يعطي تونس 6 في المائة من إجمالي ناتجها القومي.
أما بالنسبة لمصر فتلعب السياحة دورا مهماً في الاقتصاد المصري، وفي السنوات الأخيرة باتت مصر واحداً من أفضل 18 مقصداً سياحياً على المستوى العالمي، ويكفي عرض بعض الأرقام لمعرفة الدور الحيوي للسياحة في مصر، ففي العام الماضي زارها نحو 12 مليون سائح ما حقق دخلاً للموازنة يتجاوز 12 مليار دولار، إضافة إلى مكاسب كبيرة حققتها الصناعات الأخرى القائمة على السياحة مثل الفنادق وشركات السياحة وغيرها، وتشير الإحصاءات إلى أن واحدا من كل 6 مصريين يعملون في قطاع السياحة، لكن أحداث ثورة يناير وما تلاها، جرت على القطاع السياحي خسائر فادحة بعد تراجع أعداد السياح، وتراجع معدلات الإشغال الفندقي إلى ما بين 10 و15 في المائة.
وخلاصة القول إن أبرز المتغيرات التي أوصلت الشعوب العربية إلى الاحتجاجات والانتفاضات ثم الثورة، هو الواقع الاقتصادي والاجتماعي الرديء، الذي خلفته ممارسات الأنظمة الحاكمة، على امتداد عقود طويلة، وأدى إلى تفاقم مظاهر البطالة والفقر والفساد والتخلف، وراكم الغضب والضغوط النفسية وكبت الحريات وانتهك إنسانية المواطن.
وكذلك تنامي الشعور الشعبي بوجود فجوة بين طبقتين من المجتمع الواحد وتهميش الطبقة الفقيرة. ولا يمكن تجاهل الأسباب الخارجية، التي حدثت من بعض الدول التي حاولت تطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي كانت بتأثير مباشر من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، منذ ثمانينات القرن الماضي والتي لم تؤت ثمارها، وأصبحت دائما غير مكتملة في العديد من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.
وفي ضوء ما سبق، تبقى احتمالات نمو اقتصاديات دول “الربيع العربي” قوية، إذا ما علمنا أن هذه الدول لديها طاقات بشرية شابة، تمكنها من تحقيق أهداف التنمية الشاملة والتغلب على التحديات التي تراكمت قبل الثورات أو كنتيجة لها، والأمر يتطلب تحرير اقتصاديات “الربيع العربي” وإطلاق روح المبادرات الفردية لدى الشباب وتوفير التمويل اللازم لتحقيق أهداف التنمية. والتحدي الأكبر الذي يواجه هذه التحولات السياسية والاقتصادية، يبدو جلياً في توافر درجة الوعي بأهمية التعاون الاقتصادي الحقيقي، واستهداف البناء الديمقراطي الحقيقي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، لأن العنصر البشري في كل المجتمعات يمثل عصب التنمية والنهوض، فإذا صلح صلحت الأمم، وصلاح الأمم لا يأتي إلا بالعدل الاقتصادي والاجتماعي والقضاء على كل مظاهر الفساد. فدول “الربيع العربي” أمامها تحديات جسام، ولكنها لا تتوانى عن تحقيق أهداف وطموحات شعوب ثارت من أجل الكرامة، وصاحت لطلب الخبز، ولا يمكن تحقيق ذلك، إلا بتجرد الحكام من الدوافع والطموحات الشخصية، والعمل من أجل الشعوب التي عانت طويلاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.