يحكى يوما من الأيام أن جُحا أضاع حمارهُ، فنزلَ يبحث عنه، ليتصادفَ مع رجلاً ينصحه أن يكتب إعلان وينشره في السوق لربما ذلك يسهّل ويعيدها اليه، فكان رد جحا بقوله : وما الفائدة والحمار لا يقرأ. ولإن الحِمار يشكل جزءاً هاماً من تكوين شخسية جحا ورد في جميع النوادر المسلية منها المعقولة ومنها غير المعقولة عنه والتي يتناقلها جيلاً عن جيل، وأخذوا الناس يحدثونها بإستمرار حتى صار كأنه لكل عصرٍ جحاه. مع كل هذا والحمار ما زال موجوداً يعد من صميم تلك الحكايات، فما يذكر جحا إلّا ويذكر الحمار معه، وبالمجمل صارَ بذات معنى كبير، فكل مجحجح يعرف تمام المعرفة أن شطبها وإخراجها خارج السياق تصبح النادرة بغير ذات إمتداد برمزية جحا.
فلعل ما نكلف به انفسنا من كتابات، وما نحرره من مقالات ليل ونهار ونحن عاكفين نوجهها منها على شكل مناشدات ومنها ذم ومنها شتم ومنها مديح... ليذهب جهدنا في مهب الريح فكأنها والله اعلم لم تطالع تلك الشرعية منه ولو سطراً واحد ، مثلها مثل حِمار جحا الذي بضياعه أضاع جحا ونفسه وأضاع حلاوة الفكاهة من بعده، لهذا لم يكلف جحا نفسه ويعلن عنه برغم انه كان في أمس الحاجة أليه، لضنه الأكيد أنه لن يطالع الخبر وبسبب واحد وللأسف لا يقرأ.
وبالمقابل نحن ومعشر فاقدين الشرعية، ومن يوم غابت وإختفت عن انظار الجميع ولغاية الآن نبحث عنها نصدّر اليها الكتابات عبر المواقع، والصحف، وشبكات التواصل أملين توصلها وتتفاعل معنا، لكنها لم تلقي بالاً لما نكتبه ونقوله ومهما بلغ حده، مفضلة عدم التعرّض له ولو بمجرد إلقاء نظرة سريعة عن همومنا ومعاناتنا والتي هي من صميم هموم ومعانات الناس.
فلبرما هذا سبباً كافي ورئيسي يحفّزنا أن نصرف النظر عن الكتابة عن مثل هكذا شرعية محنطة، مثل ما تطلب من جحا يوماً صرفَ النظر الإعلان عن حماره، ومن بعد إقتناعه بإستحالة الموضوع نهائياً مما جعله يفكر بآخر، أيضاً يتطلب منّا ذلك نصرف النظر ونتقبل بفكرة شرعية بديلة لنا وصالحة.
هذا بالفعل ما كان يتوجب أن يحدث تأسياً بجحا والعمل بذات سلوكه تجاه غائبتنا هذه ومن بعد فقدنا الآمل بالكامل منها، وأن نشرعَ من حينها بالبحث عن شرعية تكون اكثر قربا منّا سوأءً نركبها نمسك بزمام خِطامها، او تركبنا وتمضي بنا حيث ما لا نريد ونهوى لايضر، هذا خيراً وأحسن لنا من أن نستمر نعذب بشرعية لا وجود لها على الواقع، فلا هي تسمع او تقرأ ما نكتبه اليها لتسأل عنّا، ولا هي عفّت نفسها وغادرت من حياتنا بالمرة، وفقط نراها بعيداً عنّا تعيش محوطة على نفسها وفاعلة أذن من طين وأذن من عجين، فمهما بلغ بنا الحال لا يهمها - أن نموت بالجملة لا يهمها، ما يهمها فقط هو أن تبقى تُنعت وتُوصف وهي في محجرها خلف جدار من الأسمنت والحجر بذات الشرعية، تنفش ريشها وما دونها يسفّل، او يعلّي.