وهب الفقيد المناضل سيف سالم محسن الأحمدي، الملقب حركياً أبو فارس السعيدي، جل حياته منذ مقتبل عمره وعنفوان شبابه للعمل الثوري والوطني، أحب الجنوب وأخلص له، وعشق ترابه لدرجة الثمل، فلم يغادره إلا مرغماً، ولم يقصر أو يخطئ يوماً بحقه، حتى حين غادره مرغماً بعد أحداث 86م، ظل الجنوب وطناً يعيش في داخله ويسيطر على كيانه ومستحوذاً على مخيلته، يعادي من يعاديه وينتصر لقضيته. وخلال مسيرة حياة المناضل الأكتوبري سيف سالم السعيدي الطويلة والتي تربو عن 60 عاماً من النضال الوطني المشرف، لم يكن يوماً باحثاً عن منصب أو جاه، كان كل همه الجنوب وسيادته وحريته، وأن ينعم شعبه بالعيش الكريم، وكان- رحمه الله- زاهد الحال بسيطاً متواضعاً، لم يحمل الحقد على أحد، ولم يحمل الفكر المناطقي أو الجهوي، وكان شيخاً جليلاً يحل الكثير من القضايا الاجتماعية بين الناس ومنها قضايا ثأر، وعاش ببساطته وفطرته الريفية السليمة، وبما يحمل من قيم عربية أصيلة صادقاً مع نفسه وأهله ومنحازاً انحيازاً تاماً للوطن وللحق وأهله في كل زمان ومكان، قارع الإنجليز حتى الجلاء، وقدم خدمات جليلة أثناء الدولة الجنوبية، مساهماً في كثير من الأعمال الخيرية، ومشاركاً في إصلاح ما خلفه الاستعمار البريطاني من ويلات وفتن وحروب بين القبائل، وظل ثابت المبدأ لا تميل له قناة، منذ انخراطه في صفوف الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار البريطاني عام 1957م، وحين انطلقت شرارة ثورة 14 أكتوبر المجيدة عام 1963م، شارك إلى جانب ثوار الجبهة القومية، وصار قيادياً ناجحاً من قيادات الثورة والجبهة القومية بعد التحاقه بالتنظيم بشكل رسمي في يناير عام 1965م، وكلف بعدة مهام وطنية خلال مرحلة الثورة، وعين مسئول حلقة تنظيمية في الجبهة القومية، وقائد فرقة في الحرس الخاص الذي كتبه السلطان محمود بن عيدروس من قبيلة آل سعيد، ومسؤول مالي في جمعية شباب آل سعيد الخيرية بأمها حمة، وكلف برئاسة اللجان الشعبية في رصد بعد الاستقلال الوطني في 30 فبراير 1967م، ثم عين كاتب تنفيذي في محكمة القارة الشرعية، وعمق نضاله الوطني في صفوف الحراك السلمي الجنوبي المناهض للاحتلال اليمني من عام 2007م، ونهاه في صفوف المجلس الانتقالي الجنوبي الداعي لاستقلال الجنوب من عام 2016م، ولم يتخل عن دوره الوطني والنضالي لحظة منذ ثورة أكتوبر وما قبلها حتى يوم رحيله مطلع هذا العام. وخلال هذه المراحل النضالية الطويلة من تاريخ الجنوب الحديث ظل أبو فارس السعيدي صاحب مواقف وطنية مشهودة؛ وقف وقبيلته (آل سعيد) مع نائب السلطان محمد بن عيدروس حين دخل في خلاف مع الاستعمار البريطاني رافضاً الاتحاد الفدرالي الجنوبي الذي شكله الاستعمار ودعمه لأجل البقاء، كما وقف مع الرئيس سالمين في محنته وآواه إلى قبيلته حين استعدي عليه، وكذا وقف مع الرئيس قحطان الشعبي ونصره، وشارك في حرب 1994م ضد القوات الشمالية التي اجتاحت الجنوب تحت مبررات واهية، وتقدم صفوف الحراك السلمي الجنوبي في 2007م، وكان من مؤسسيه ومن مؤسسي لجان التصالح والتسامح في 2006م، وشارك في كل المليونيات التي دعا لها المجلس الأعلى للحراك السلمي الجنوبي، وحضر أغلب المليونيات والاحتجاجات والفعاليات التي كانت تقام في مختلف مدن ومحافظات الجنوب، مشاركاً في أكثر من 150 مهرجاناً من عدن إلى يافع، الحد، يهر، عتق، لودر، أبين، رصد، لبعوس، الرباط، سرار، جحاف، الصبيحة، المكلا، حضرموت وغيرها، وكان شاعراً فذاً ووطنياً مخلصاً وقائداً حكيماً، ترأس وانتخب لمسؤوليات قيادية كثيرة، حتى وصل به الأمر إلى أن يكون ضمن الهيئة القيادية لمجلس الحراك الثوري السلمي لتحرير واستقلال الجنوب، ثم نائب الأمين العام للمجلس، وأخيراً عضو مرشح في المجلس الاستشاري للمجلس الانتقالي الجنوبي عن محافظة أبين. وعلى الرغم من كل هذا النضال الوطني الكبير والمشرف الذي قدمه أبو فارس السعيدي، إلا أنه ظلم في حياته كثيراً ومن مختلف الأطياف السياسية، تم اعتقاله بداية السبعينيات، وهو يزاول عمله في محكمة القارة الشرعية، تحت تهمة عدم فهمه المرحلة وانحيازه إلى جانب الرئيس قحطان الشعبي، وناله الظلم والتعسف بشكل أكبر بعد الوحدة التي سيطرت عليها قوى الشمال الرجعية، وبعد وفاته في 15/ 1/ 2020م صار في عداد الموتى المنسيين بنظر جميع القيادات السياسية الجنوبية، لم يؤبن ولم تقام له مئوية لإحياء ذكرى رحيله كما يفعل للشهداء والفقداء المناضلين، ولم يكرم اليوم من أحد في ذكرى ثورة 14 أكنوبر المجيدة، فهل يتم تدارك الأمر بالمساهمة في إحياء الذكرى السنوية الأولى، التي دعا إليها أهل الفقيد، والتي ستحل علينا بعد ثلاثة أشهر من الآن، وذلك في 15/ 1/ 2021م، هل سيعاد الاعتبار لشيخ المناضلين والمناضل الأكتوبري كما يحلو لبعض رفاقه تسميته، على الأقل من باب الإنصاف والانتصار لقضيته التي ناضل من أجلها.. إنا لنرجو ذلك ومن ورائنا أهله وكل ثوار وأحرار الجنوب... . د. أمين القعيطي 14 أكتوبر/ 2020م