في يناير 2019م، كان مارتن غريفيث المبعوث الأممي إلى اليمن في زيارة عمل لموسكو ، كانت تلك الزيارة عقب التوقيع على إتفاقية ستوكهولم للسلام و تعزيز الثقة بين أطراف الصراع في اليمن، التي وقعت في ديسمبر 2018م. في موسكو و حينها كان غريفيث منتشيا بالنصر، ولازالت إتفاقيات ستوكهولم حاضرة وبقوة ، نشرت صحيفة كوميرسانت الروسية في 12 يناير 2019 لقاء مطولا مع غريفيث، كانت الصحفية ماريانا بيلينكوي هي من حاورت غريفيث وعندها أطلق غريفيث العنان لخططه بتفاصيلها وكان من ضمن ماتحدث عنه عملية تبادل الأسرى و المعتقلين والمخفيين. قال غريفيث لكوميرسانت يومها " نحن نتحدث عن تبادل قوائم الآلاف من الأسماء ، وهي متاحة لكل من الطرفين. ونحتاج إلى التأكد من مكان كل سجين ومخفي . عندما يتم توفر تلك المعلومات ، سيتم إجراء التبادل. ما زلنا نأمل أن يحدث هذا، كما هو مخطط له، سيكون ذلك في غضون يوم واحد سيتم نقل مئات السجناء من جنوب البلاد إلى صنعاء ونفس عدد السجناء سيتم نقلهم من الجانب المعاكس ، وسوف يكون يوم عظيم ". كثيرون قالوا إن الرجل يحلم، فهو يتحدث عن أمور لايمكن تحقيقها. بحسب إتفاقيات السويد كان من المفترض أن تبدأ المرحلة الأولى لتبادل الأسرى في نهاية يناير 2019، لكنها حدثت في 15 أكتوبر 2020 بعد سنة وثسعة أشهر تقريبا ، لابأس، المهم أن العملية حدثت. والأهم أنها جاءت تماما وفق الرؤية التي رسمها مارتن غريفيث. وحملت الطائرات المنطلقة من مطار سيئون (بمحافظة حضرموت) باتجاه صنعاء الأسرى الحوثيين، تزامنا مع حمل الطائرات الأخرى القادمة من مطار صنعاء إلى سيئون أسرى الحكومة والتحالف. مارتن غريفيث الذي في نهاية عقده السادس، أظهر كم هي الخبرة مهمة و أعاد الإعتبار لمهمة المبعوث الأممي، فهو الخبير في آليات و وسائل العمل الدولي ويعي تماما حجم الإمكانيات الضخمة و الصلاحيات التي بيده لتنفيذ مهمته. كنا نظن أن غريفيث سيظهر في مطار سيئون أو مطار صنعاء ليشاهد عودة الأسرى الى ذويهم وهو اليوم الذي حلم به طويلا، لكننا وجدناه في نفس التوقيت يدلي بإحاطة عبر الإتصال المرئي لمجلس الأمن الدولي قال فيها " أشعر بالإمتنان للجنة الدولية للصليب الأحمر ولرئيسها بيتر مارير ، لعملهم معنا إلى أن توصلنا الى ذلك الإتفاق، وهذا في حد ذاته مهمة جسيمة، أود أن أشكر الحكومة السويسرية لإستضافتها إجتماع لجنة الأسرى وتهيئة البيئة الداعمة لاسيما في وقت يصعب فيه الإجتماعات وجها لوجه " وأضاف غريفيث في إحاطته" أثني على طرفي الإتفاق فإن المعروف أن القيادة الخاصة بهذين الطرفين قطعت على نفسها الإلتزام بنتائج تلك المباحثات بروح بناءة وكذلك النجاح في تلك المفاوضات للتوصل إلى إتفاق أفرج في إثره على أكثر من ألف من الأسرى ". الأمل والطموح لدى غريفيث يتجاوز أعداد من وقع عليهم الإختيار في عملية تبادل الأسرى، أوضح ذلك في إفادته لمجلس الأمن الدولي بقوله" إن هذا الإتفاق لم يشمل الآف وألآف من اليمنيين الذين وقعوا أسرى أثناء هذا النزاع، و سوف ندعو الطرفين في أقرب وقت لمناقشة الإفراج عن مزيد من الأسرى وذلك بناء على الإلتزام الذي قطعناه على أنفسنا في ستوكهولم ديسمبر 2018 بالإفراج عن كل أسرى الحرب والمحتجزين . لازلنا في إحاطة غريفيث أمام مجلس الأمن الدولي التي أدلى بها أمس الخميس 15 أكتوبر 2020 قال أيضا " أؤكد على دعوة الأطراف المعنية للإفراج بلا قيد أو شرط وعلى الفور عن كل المدنيين المحتجزين تعسفيا ومن بينهم الصحفيين والأسرى السياسيين " وأثنى مارتن غريفيث في إحاطته على العاملين ومنظمات المجتمع المدني في اليمن الذين عملوا بعزم وإصرار ومثابرة ونجحوا وسط المخاطر من إطلاق سراح المدنيين والكشف عن مصائرهم. يبدو أن تطورات الأحداث تصب في مصلحة المبعوث الأممي مارتن غريفيث الذي يعزز اليوم سجل نجاحاته ، بإنجاز جديد تضاف اليه اليمن. أحلام الرجل أصبحت أكبر، فهو اليوم يعمل لإعادة فتح المطارات و الموانئ وإعادة تصدير النفط والغاز وترتيب مفاوضات سلام شامل ونهائي في اليمن، إختزل كل ذلك في المبادرة السلمية التي أطلق عليها الإعلان المشترك. ولم يغفل أن يشير اليها في إحاطة الأمس وقال "نأمل أن يؤدي تنفيذ إتفاق تبادل الأسرى إلى بناء الثقة وأن يكون القوة الدافعة للإسهام في حوار سلمي و مفاوضات بين الطرفين من أجل تدشين الطريق نحو السلام". مارتن غريفيث الذي بدأ مهمته في اليمن في فبراير 2018. لا يشبه سابقيه، يجيد التعامل مع أطراف الصراع و يحاول أن يكون على مسافة متساوية من الجميع و يجيد حشد الإجماع و التأييد الدولي و الإقليمي للمبادرات التي يتقدم بها، والأهم روح التفاؤل التي يتحلى بها وأسلوب المرونه و القبول بالتعديلات وإعادة التعديلات وصولا إلى مبتغاه، ولو بعد حين .