============ يبدو أن اليمنيين عجزوا عن الخروج من نفق الحرب في المستقبل المنظور على الأقل . فاذا كانوا قد قرَّروا اشعال فتيلها وتوسيع نطاقها في البدء ، فأن قرار استمرارها أو انهائها لم يعد في أيديهم على الاطلاق . فلا الطرف " الانقلابي " ولا الطرف " الشرعي " - وكلا الوصفين بات مَجازاً اصطلاحياً - يجروء على الزعم اليوم بامتلاك القدرة على وقف دولاب اللهب والانتقال الى طاولة الحوار للبحث الجاد في الحلول السلمية . والأدهى أن قوى الاحتراب قد تعددت صوراً وأشكالاً وغايات ، فدخل المجلس الانتقالي الجنوبي الى قلب الحدث الاحترابي والسياسي ، عدا توغُّل الطرف الخارجي بقوة وبعنجهية تثير الاستغراب والاستفزاز على السواء . وقد تداخلت المخاوف بالمصالح لدى أقطاب الحرب اليمنية اليوم ، مثلما تقدَّمت حسابات الخارج على حسابات الداخل في العملية برُمَّتها .. فثمة مخاوف لدى جميع الأطراف من مغبَّة الاِقدام على سلام يصُب في مصلحة الطرف الآخر بحيث ينقضّ ذاك الطرف عليه حينها ويغدر به ، في حال مدَّ اليه يده وتنازل له عن جرء من مكاسبه التي حققها بالسلاح والقتال على أرض الواقع ، ونصب عينيه يرتسم الشطر الشعري : " داء اليماني فِانْ لم يغدروا خانوا " ! ثم أن هناك مصالح تحققت للجميع - بدون استثناء - بحيث لا يفكر أحد جدّياً اليوم في التخلّي عنها . وهي مصالح لم يكن في حسبان أصحابها البتة أن تؤول اليهم وتتكدس بين أيديهم بفضل من الحرب وعلى أشلاء ضحاياها . فقد أحالت هذه الحرب ضعفاء الى أقوياء وفقراء الى أغنياء في بضع سنوات قليلة ! والأهم هو مخاوف ومصالح وحسابات الطرف الخارجي ( ايران شمالاً ، والسعودية والامارات جنوباً ) التي سلَّمتها هذه الحرب مقاليد الأمور في اليمن ، ومهَّدت لها الطريق لاحتلال واستغلال كل المنافذ اليمنية وكل ثرواتها ، والتحكُّم بمصير دولة وشعب كانا يُمثّلان عُمقاً استراتيجياً وحيوياً لدول المنطقة ، سياسياً واجتماعياً وأمنياً ، حتى زمن اندلاع الحرب قبل نحو ستة أعوام . لقد خاض اليمنيون حروباً عدة تجاه بعضهم في العقود الستة الأخيرة . وهم كانوا ينهونها في كل مرة بسلام ، اما ناقص واما شائه ، فتظل ثمة ذيول عالقة شتى ، وبعضها لا يُرى بحسب فيكتور هوجو ، فتظل تلك الذيول تشير دائماً الى اِحتماليةٍ قائمة - في الوعي والواقع معاً - لحربٍ أخرى قادمة . وفي الوقت الذي يظل بعض الكُتَّاب والباحثين والمراقبين يطلقون بوالين الأمل في فضاء الاعتقاد بامكانية توصُّل اليمنيين الى تسوية سياسية بمجرد تبادل مشاعر الثقة وتغليب مبدأ الركون الى لغة الحوار ، كما جاء - مثالاً - في الأطروحة المتميزة للزميل العزيز حسين الوادعي ( اللعبة الصفرية - موقع : yemen policy center ) قبل أيام قلائل ، الاَّ أن واقع الحال ، وبعد ستة أعوام من الحرب وتداعياتها الكارثية ، لا تبدو في الأُفق البعيد بارقة أمل خافتة تُشي بامكانية تحقيق أية تسوية سياسية على أرض الواقع من شأنها أن تُخرج اليمن وأهلها من هذه المأساة ، ولو الى حين ! لقد أستحالت هذه الحرب اليوم الى احترابات شتى على كل صعيد في حياة الناس والبلاد ، اِذْ شملت كل الجهات الجغرافية وغزت كل ميادين الواقع اليومي المُعاش وانفتحت لها عدة جبهات سياسية واعلامية واقتصادية وثقافية وتداخلت في خيوطها ومخططاتها مصالح وتحالفات وارتباطات قليلها علني وأغلبها لايزال سريَّاً ، ما يؤكد بقوة أن ليل المأساة لايزال طويلاً وقافلتها طويلة المراحل . اِذن ،ما المَخْرَج من هذه الدوامة الأخطبوطية التي أوقع اليمنيون أنفسهم فيها ؟ .. وكيف يُفلتون - أولاً - من قبضة المسيطر الخارجي على مفاتيح " اللعبة " وخرائط ألغامها ؟ هذا اذا زعموا - أصلاً - بتوافر الرغبة لديهم ثم القدرة للجنوح الى السلم . ولكنّ الحقيقة أن استدعاء " الحكمة اليمانية " الآن ، وفي هذا الاطار ، قد يبدو ساذجاً . ويبقى الرهان الوحيد على الدول المسيطرة على لعبة الحرب في اليمن ( ايران ، السعودية والامارات ) باعتبار أن كل دولة من هذه الدول الثلاث تمسك بعنق وجيب كل طرف من الأطراف المحلية المتحاربة ( الحوثيون ، الشرعية والانتقالي ) فاذا تواصلت هذه الدول فيما بينها وتوصَّلت الى اتفاق جاد بينها أولاً ، تضمن به مصالحها وتدرأ مخاوفها .. يكون من الممكن - حينها فقط - الحديث عن احتمالية السلام في اليمن !