كثيراً ما تردد على مسامعنا في ظلِ إنتشار فيروس كوفيد 19 ( العالم بعد كورونا ليس كقبله ) ولكلِ من أدلى بدلوهِ في هذا السياق تحليلهُ وتأويلهُ لا يختلف عن غيره إلا في امورٍ بسيطةٍ، ليلتقي المتنبأون عند طريق واحد وبالتوافق على رؤية تكاد تكون مشتركة، وهي أنّ العالم على مشارفِ فجرٍ جديدٍ بوادرهُ حُملت اليه عن طريق وباء كورونا، وانه بتنا قريباً أمام تحديث ومراجعة تفرض نفسها على الأرض، إن لم تكن قد بدأت بالفعل تصنع اسس مداميك جديدة على طريقِ تغيرٍ شامل لعالمنا وجعلهُ أكثر أماناً، وحيوية عما كان عليه من قبل. ولكن بالرغم من معقولية ما يطلقونه اولئك المهتمون وبأسلوبٍ تفكيرٍ إستقرائي يستند لعدد من المصادر والملاحضات، ينمُ، ويبرهن عن إحساس، وشعور لديهم لما بلغتهُ الإنسانية من خطرٍ كبيرٍ، وكورونا ما هو إلا احد ملامحهِ وما خُفي كان أعظم، إلا انه بقيت مجرد تكهّنات تفتقر للمساندة بسبب بعدها عن التطبيق، فلم يبرز طوال تفشي الفيروس وعلى خلفية الإنتكاسات الصحيّةِ، والاقتصاديةِ، والاجتماعية أياً من تغير يُلمس، بما يُثبت مصداقية كل متنبئ، فيعيرُ الناس لما يقولونهُ ويطرحونه نوعاً من الأهتمام والتفاعل.
لتأتي الإنتخابات الأمريكية اخيراً وأدت بالمرشح الديمقراطي جو بايدن للفوز على منافسهِ الجمهوري دونلد ترامب وبنسبةٍ محترمة، وأعيزَ لكورونا التأثير الغير مباشر في نتائجها، وبعدّهِ من الإسبابِ التي أضعفت موقف الأخير. لتشاء الأقدار أن يتحرك المهزوم في مشهدٍ مختلفٍ عن ما ألفهُ الشعب وعلى مراحلهِ المختلفةِ من كل إنتخابات جرت، وبعدم القبول للانتقال السلس للسلطة، رافضاً الإقرار بالنتائج، بل وشرعَ بأتخاذ خطوات إِستباقية غير محسوبة العواقب على الديمقراطية، والحرية في هذا البلد المستقر، يهدف من خلالها بشكلٍ او بآخر لعرقلة منافسهِ الديمقراطي من الصعودِ إلى البيت الأبيض وتولي زمام الحكم.
وبما يعنيه من هذا، لما سيترتب عليه حال الإصرار والعناد للمضي في هذا الطريق الشائك، سيكون وبالاً على إدارة ومركز صناعة القرار العالمي أحادي القطبية، لما قد يرجحَ بصدقِ ذلك التنبوء ..العالم بعد كورونا ليس كقبلهِ.
،وفي بلدٍ قوي مثل امريكا قوميتهُ، ووحدتهُ الفيدرالية اساساً نشأت على القيم المستوحاة من الديمقراطية وحقوق الإنسان ومن قبلها لم تكن بهذا المستوى، ومن ثم إذا قدرَ لها وإنحرفت عن مسارها السياسي نحو التعقيد، حتماً ستخلق أزمة داخلية كبرى لتؤدي بدورها لآخرى عالمية، تفضي إلى تشكيل عالمٍ جديدٍ يُحكم ويدار بأسلوبٍ مختلفٍ عما هو عليه اليوم وكأستنتاجٍ لذلك. لن تكون الولاياتالمتحدةالامريكية هذه المرة وحدها المتحكم فيه، او لربما تمتلك دوراً ثانوي منه.
وبهذا سيكون فيروس كورونا قد ذهب وإلى أبعد الحدود منجزاً ما عليه من إجندة، وبتحوله من وباء وجائحة عالمية يتابع تفشيه بين الناس كأي وباءِ، إلى مُصلح لمنظومة القيم التي تحكم العالم، ومن بعد نسفها عن طريق ضرب مركزاً من مراكزها المهمة، المتصدر الأول على الدوام في رسم المسار الدولي بامتيازٍ وعلى مد ما يقارب قرن من الزمان.