يُقال أن ياسر اليماني يلمح بعودة وشيكة إلى صنعاء؛ عاصمة الدولة الهاشمية غير المعلنة، وهو القيادي المؤتمري الذي تمرد على قرارات رئيسه صالح وناهض انقلابه ومليشيات الحوثي على السلطة الشرعية منذ وقت مبكر جداً.. بمعنى، أن الرجل تنازل عن إرث خمس سنوات قضاها في المنفى معارضاً صلفاً ضد الانقلاب الحوثي، وقبل الخضوع لجماعة ظل ينعتها حتى وقت قريب بالانقلابية والعنصرية. فهاهو اليوم يطوع أفكاره ومبادئه، ويتخلى عن نضاله فجأةً، وينتوي العودة إلى مدينة غادرها خلسة بدعوى أنها محتلة. حسناً.. دعوكم من الخوض في شخص اليماني أو استدعاء مواقفه، هناك شيء أهم من محاكمة تاريخ الرجل، هو محاكمة الحرب نفسها. الحرب هي المتسبب الوحيد بكل هذه التحولات الدراماتيكية في مزاج اليمنيين. ف ياسر اليماني ليس هو الوحيد الذي يصدر عنه مثل هذا الإعلان، بل هناك الآلاف اليمنيين كان لهم إعلان مماثل، تغيرت مواقفهم جذرياً من الحرب، وآخرين أيضاً غيرت الحرب قناعاتهم بالقدر نفسه. في الحقيقة، خمس سنوات من العبث بدلت قناعات جمهور عريض من الشعب، وحولتهم من النقيض إلى النقيض تماماً. أما ياسر اليماني فلم يكن سوى صوت ناعق أرهقته النداءات العبثية فقرر بلع لسانه بالكامل انتقاماً من الحرب، إنه انتقام على طريقته الخاصة. وهو أمر طبيعي ومتوقع، قياساً باليماني نفسه، وبكل شيء يحدث في هذه الأرض المسحورة. مع الانحراف المبكر للأهداف التحالف العربي، وتبدل أجنداته، وفشل الشرعية في اثبات نفسها على الأرض؛ واصرار قيادتها على التصرف كلصوص ليل لا رجال دولة، كان لا بد أن تحدث تحولات كبرى لدىّ اليمنيين. هذه التحولات طبيعية جداً، نظراً لحالة اليأس التي استولت على غالبية الناس، وفقدهم الثقة بالمشاريع المعلنة وأصحابها. فاليمنيين كغيرهم من البشر، يصيبهم الضجر وتثقلهم الحروب، ولهم سقف تحمل محدد، وليسوا مستعدين لعيش حياة ضبابية وبلا أفق، أو انتظار حلم لن يأتي. فكلما طالت الحرب، بعدت صنعاء أكثر من ذي قبل، وفيما تأخذ الحرب تطول وصنعاء تبتعد؛ تأخذ هذه التحولات الدراماتيكية حيزها داخل قناعات اليمنيين باستمرار. حتى تزول الفوارق تماماً، وتتلاشى الاعتبارات ويصبح همهم الكبير هو أن يعيشوا فقط، بصرف النظر عن مضمون هذه الحياة. إذ لا متسع من الوقت تمنحه الحرب للمفاضلة. في النهاية، العرض الذي يقدمه الحوثي ليس أسوأ من ما تعرضه الشرعية والتحالف، والناس مخيرين بين السيء والأسوأ، فيضطرون للتصالح مع الحوثي هروباً من النماذج الأسوأ الذي يقدمه التحالف والشرعية. التحالف هو من يدفع الشعب لمهادنة الانقلاب، ومقايضة الجماعة السلالية بالشرعية والجمهورية والديمقراطية والحرية، نظير الخبز والماء، وفقاً لوصف الدكتور Marwan Al-Ghafory "مروان الغفوري". من كان يرفض حكم السلالة بدايةً، سيذعن له أخيراً مكرهاً مقابل أن يبقى على قيد الحياة لمدة أطول. هذا المطلب الأخير الذي يمنحه إياه الحوثي، ويستكثره عليه الخليجين، هو ما يدفع الناس لقبول تافه وبليد مثل عبدالملك الحوثي حاكماً عليهم.