بحرب على شعبي وبا احمي ثورتي ** والعدو باعطيه الحجار الدرمها . ولد ابوحمحمة عام 1910م بمديرية مودية قرية كبران إحدى بطون قبيلة المياسر وما أن أكمل عقده الثاني حتى تفتقت قريحته الشعرية كواحد من فحول الشعر الشعبي في محافظة ابين .. وبدأ نجمه يلمع في سماء الشعر واستطاع في فترة وجيزة أن يتربع كرسي الصدارة كملك متوج للشعراء بلا منازع ولايزال حتى هذه اللحظة لم يترجل عن عرشه ولم يستطع أحد منازعته ليحل مكانه مع انه توفىعام 1997م ورغم أميته إلا أنه استطاع أن يتميز عن بقية أقرانه ويخوض _وبجدارة _في كل اغراض الشعر كفارس لايشق له غبار ِ. تميز شعره بالبساطة وحسن السبك وغزارة المعنى ودقة اللفظ وروعة الأداء وعمق المقصد وبعد الهدف . حمل شاعرنا بين جنبيه روحاً ثورية وضميرا حياً ونفسا عفيفة وقلباً مخلصاٌ لدينه ولمجتمعه ولأمته .. عشق الحرية وتغنى لها وتاقت نفسه للانعتاق من الأستبداد وضحى لأجلها ودفعته همته للثورة والتحق بها ..فكان واحداً من أبرز الشعراء في محافظة ابين الذين قارعوا الاستعمار مما عرضه للسجن مرات عديدة ..ولكن لم ينل ذلك من عزيمته بل ظل متمسكا بمبادىء الثورة ومحافظاً على أهداف الثوار حتى تم طرد آخر جندي صلبي من عدن. ِ لم تقتصر حماسته للثورة على الاستعمار والكهنوت في اليمن شمالاٌ وجنوباٌ بل كان وعيه يتناغم مع كل ثورات العالم العربي وذلك من خلال الراديو حينها والتي كانت الوسيلة الوحيدة لمتابعة أحداث ثورات العالم العربي منذ انطلاقتها الاولى ِعام 1952م في مصر . فهاهو ذا يتغنى بالزعيم عبدالناصر ويعتبره رمزاٌ للحرية وشعلة للنضال وملهماٌ للثورات فقال : ياربنا بجمال يبقى في الحياة * ولايشاهد موت لا حتى نعيش أحرار . *** يا ربنا بجمال تقوي موقفه * حتى يدق اهل الرياء واهل النفاق *** يارب تعلينا وترفع صوتنا * بجمال عبدالناصر الحق الصواب ِ ذي لا خطب قلنا وقالت كلها * أهلاً بصوتك في المواقف والخطاب . وهاهو في مناسبة أخرى يتغنى بقادة الثورات في العالم العربي (عبدالناصر و السلال وعبدالكريم قاسم واحمد بن بله ) حيث قال . يا مربعة قولوا معي يا مربعة * أنتوا ركون البيت وانتموا له طناب جمال ياالسلال ياعبدالسلام * والرابع احمد ذي حطب بوها حطاب . وعن ثورة الجزائر قال رحمه الله . مليون ذي راحت شهيد جزائري * حامت على دمه جميع نسورها حتى تحرر من فرنساء واهلها * راحت وراح قرارها مكسورها . كما جسد شعره الدعوة إلى الأخوة والوحدة العربية وجمع الكلمة لمواجهة المستعمرين فقال : احنا عرب واخوة وأمة واحدة * ما هل قليل العقل يكسر ساعده . *** واحنا عروبة والعروبة مننا * والحمل قد شله جليل الساعدين . *** يامصر ياسوريه ياشعب اليمن * يا اهل الوفا واهل الصداقة والوثاق *** وفي ذروة حماسته وتفاعله مع ثورات العالم العربي لم ينس فلسطين الجريحة بل كان لها نصيب من أشعاره حيث قال : يارب بالمختار والروح الإمين * على فلسطين الابية لايهون الدين ِ عن العرب على اليهود الظالمين * يهود خبير ناقصين المذهب الذمين . وما إن انطلقت شرارة ثورتي سبتمبر واكتوبر إلا وهيجت أشجانه وحركت كوامن ذاته فكان من السباقين للالتحاق بها ودعمها فقال : يا ثورتي سبتمبر واكتوبر * يا ذي كتبنا أسمكن من دمنا . سبتمبر حطم عروش الطاغية * واكتوبر حطم مراكز لندنا . وقال في موطن آخر يالندن الليلة وياوالي عدن * قالت أسود المحمية وانمارها من خط لستقلال ماشي معذرة * لو باتسقونا سليط النارها . وما إن تشكلت جبهة التحرير إلا وأعلن وقوفه إلى جانبها باعتبارها الرافعة الحقيقة للثورة ومن يعول عليه في طرد الاستعمار حيث قال : بروق القومية في كل ليلة تهجمي * تهجم على استعمار من بعده وقداميه والشعب لصى والكرب تتوهجي * يا اهل الكراسي والمرق واملح وامباميه . وبعد طرد الاستعمار ظل رحمه الله منافحاً عن الحق مقارعا للظلم ناصحا للحكام وقد عرضته تلك المواقف النبيلة للسجن والحرمان ومن أبرز اغراض الشعر التي أجادها وتميز فيها على جميع أقرانه شعر الرجز والذي يعد من اعقد أنواع الشعر وأصعبه على الاطلاق ذلك أنه يتطلب مهارة فريدة وبديهة ثاقبة وقريحة شعرية متوقدة وهذا الغرض من اغراض الشعر لايجيده إلا فرسان الكلمة . فالشاعر الذي يقبل النزال عليه أن يلتزم بضوابط معينة دقيقة ..والتي من أهمها الالتزام بالوزن والقافية في رده على خصمه وسرعة الرد حيث لاتتاح له الا دقائق معدودة وربما أجزاء من الثانية ويكون ذلك على الهواء مباشرة وبحظور الجمهور . ومع ذلك كان شاعرنا في هذا الفن فارساً لايشق له غبار ذات مرة تآمر عليه خمسة من فحول شعراء أبين من قبيلة العواذل وأرادوا أحراجه وامتحانه أمام الجماهير وإزاحته عن كرسي العرش . وفي احتفال بهيج احتشدت الجماهير المتعطشة لسماع فحول الشعراء فنزل الشعراء الخمسة الواحد تلو الآخر كل يرتجز محيي الجماهير بقافية ووزن يختلف عن الاخر... وهنا يتوجب على ابوحمحمة أن يجيب _مرتجزا وبصورة مباشرة أمام الجمهور _على الشعراء الخمسة كل بحسب وزنه وقافيته.. فلما أتموا ما عندهم دخل شاعرنا ساحة النزال فامتطى صهوة فرسه وامتشق سيفه وأشهر رمحه فصال وجال ساحة الاحتفال وأطلق العنان لبنات أفكاره فجاء الرد مفحماً لجميع الشعراء مما جعلهم يذعنون له ويخبرونه أنهم تعمدوا ذلك الموقف ويعلنونها صراحة بأنه ( مير الشعراء ) ويقصدون به ملكة النحل وهذا وسام شرف لشاعرنا بانه ملك متوج للشعراء في محافظة أبين . والمقام هنا لايتسع لكتابة تلك الابيات الشعرية الرائعة الجميلة فنحيل القارىء إلى ديون الشاعر الطبعة الاولى ص ( 236_ 237) ودفعه ذلك الشرف الذي حازه إلى أن يتحدى منازله بأن يرد عليه مرتجزاً بنصف بيت على نسق الوزن والقافية ِ.وقد حصل ذلك بينه وبين الشاعر الكبير علي رامي رحمه الله الذي ابتدأ التحدي بقوله ليت السماء في الارض والارض السماء * هذا النصف الاول من البيت الشعري ِ فأكمل ابو حمحمه النصف الثاني بقوله : باحط لي في الارض والا في السماء باطير . قال ابن رامي . بن رامي علي يا غيل ماء ياغيل ماء **فأكمل ابوحمحمة البيت بقوله : أيش اخرج الماء ياالمخبل من قعور البير . بل بلغ الامر به أن يتحدى منازله بأن يرد عليه بنصف الشطر فقال ابن رامي . ما الليلة البيضاء ...فهذا نصف شطر البيت الاول فأكمله أبو حمحمة : لحلاب العصوص . قال ابن رامي : ذي دق عجر امدوم ... وهذا النصف الثاني من الشطر الثاني من البيت فأكمل البيت بقوله : حتى خرج امفرصوص . ليكون البيت على هذا النسق . ما الليلة البيضاء لحلاب العصوص ** ذي دق عجر امدوم حتى خرج الفرصوص ِ فلك عزيزي القاريء أن تتأمل تلك اللوحة الشعرية الرائعة الجميلة والتي نسجها أثنان من الشعراء فجاءت وكأنها خرجت من مشكاة واحدة مما يدل على مدى شاعرية الشاعرين الذين لم ينازعهما أحد تلك المكانة . القصيدة ص ( 173) . ومن أغراض الشعر التي تميز بها ابوحمحمة شعر الفخر والذي نلمس من خلاله أنفة وعزة الشاعر واعتزازه بنفسه وقبيلته و منطقته ... انا شاعر عله وكل شاعر قد كويته * والقوي جبته على رأسه ورجيته . *** بو حمحمة ذي ما عرف قدري غبي * ما يعرف اصناف الذهب والماس والياقوت . وانا بركان متلف وقت ما ازعل واغضب * والقارعة والهول انا والرعب والباهوت . وانا بيدي أدب ذي ما رضي يتأدب * وانا عصاة الردع للطاغية والكهنوت لقد استطاع ابوحمحمة أن ينتزع المجد انتزاعاً وأن ينال الشرف ببراعة وأن يتصدر قائمة شعراء ابين باقتدار.. فكان فارس الكلمة بجدارة وبطل التحدي بقوة وأمير الشعراء بلا منازع . وهذا ما أكده شاعر اليمن الكبير البردوني بحسب ما أورده الاستاذ القدير علي ناصر عبدالله على لسان الشاعر المخضرم صالح العرماني وذلك بعد أن سمع مقتطفات من أشعار ابوحمحمة وعلي رامي من قبل العرماني فما كان من البردوني إلا أن أخذ يضرب بكفيه على فخذيه ويقول : ( هؤلاء جن ) . والحقيقة أن شاعراً بمستوى ابو حمحمة لايسعنا الحديث عنه في مقال عابر ...ولكنها إشارات أحببت أن أثيرها للفت عناية المهتمين بالشعر الشعبي وذلك لما له من أهمية في الحفاظ على الموروث الشعبي والعادات والتقاليد لاجدادنا ولكونه سجلاً لكثير من الأحداث والوقائع التي مرت بها المنطقة . وقد تم بحمد الله طباعة النسخة الاولى من ديون الشاعر وهو جدير بالقراءة والاطلاع والتأمل . وأجدني هنا ممتناً للاستاذ القدير علي ناصر عبدالله الذي كان له شرف تبني فكرة أخراج أعمال ابو حمحمة للنور والشكر موصولاً للاتساذ المرحوم عبدالله عنبر الذي أسهم أسهاماً فاعلاً في عملية الجمع والاعداد لديوان الشاعر كما نتقدم بالشكر الجزيل للشاعر المتألق عبدالله الجحفلي والشكر موصولاً لسعادة وزير الداخلية احمد الميسري الذي تكفل بنفقات الطباعة كم نشكر جامعة أبين ممثلة برئيسها الدكتور محمود الميسري الذي كان لها الشرف أن تتبنى طباعة ديوان ابوحمحمة . فهذا أقل ما يقدم لشاعر بحجم ابوحمحمة الذي لم يحظ بأية رعاية ولا اهتمام من قبل الجهات المسؤولة قديما وحديثا وإني لأجدها فرصة هنا أن أوجه في هذا المقام رسالة للاخ المشير عبدربه منصور رئيس الجمهورية بأن تحظى أسرة الفقيد الشاعر ابوحمحمة بلفتة كريمة من قبله كأقل واجب يقدم لها .