في منزلنا المتواضع، المكوّن من قلبٍ وصمام ونَفَسْ، يوجد الوطن. وطنٌ يعرفُ العدل والمساواة، وطنٌ يحمل في طياته الحب والحنان، وطنٌ يحمي الحقوق والحريات، وطنٌ مليئٌ بالإنسانية، وطنٌ لا شبيه له. وطنٌ أوجد الحب من غياهب المأساة، وأوقد ناره في غابات المعاناة. وطنٌ تنفدُ حروف اللغة عند وصفه. وطنٌ سخّر جل ممتلكاته وثرواته لخدمة أبنائه، وبذل الغالي والنفيس من أجل سعادتهم، بادل أبناءه الحب وأشعرهم بالحرية والأمان. أعطاهم ما يملك، ليبقى على جنبات الزمن ينتظر وصولهم القمة. وطنٌ يعطي لا يأخذ، يبقى بجوعه خوفاً من جوعك، يتألم لألمك، ويفرح بفرحك، يدعو لك في ظهر الغيب، دعواته ترافقك، وقلبه معك أين ما حلّت خطاك. وطنٌ علمني 28 حرفاً، لم أكن لأتعلمها .. وطن يَمّد يداه لانتشال أبداع أبنائه، يمسك بأيديهم، يحميهم، يساندهم، يحافظ عليهم من رذاذ المطر وبرد الشتاء، يعاملهم بالحب والود وإن عابوه. أنظر الآن لذلك الوطن وقد غزا الشيب أرجاء وجهه، يصيبني الألم والحزن. كيف له أن يعتدي على وطننا دون إذنٍ مسبق، كيف للعمر أن يسرق منه ابتساماته ويترك مكانها التجاعيد، كيف للزمن أن يمر ووطننا لا زال ينتظر الفرحة بعد أن عاش حياته في خدمة أبنائه. آه..ليتني أستطيع أن أعطيك من عمري وقتاً ومن قلبي نبضة .. التجاعيد منتشرةٌ في وجهك، لكنها ليست شيباً .. أعلم ذلك .. أُقسم أنها أحلام وأحزانٌ فائضة لم تجد مكاناً .. فاستقرت في وجهك.. ليتني أستطيع أن أعيد تشكليها ل ابتسامات، ليتني أستطيع أن اُعيد الدهر قليلاً إلى الوراء لأرى ضحكتك الطفولية، ليتني لم أكبر وظللتُ في حضنك استنشق عبير ودّك، وتراتيل حروفك الضاحكة الباكية!! ليتني أستطيع أن أفعلها!! والدي .. هما الوطن أعلم بأن ما ورد لم يكن كافياً، لأن حروف اللغة يتيمة أمام وصفهم .. أعلم أيضاً بأن لنا من الحروف 28 حرفاً ولا تكفي لذلك .. عذراً لغتي العربية .. لم أكن لأتعلمك لشيء، بل لأعيد تشكيل حروفك باسمهم ووصفهم. السلام والحب لوطني