إحياء الذكرى 19 لإعلان فك الأرتباط, مثل ممارسةً شعبية لسيادته على الأرض, دون حضورِ لا لرئيسٍ, او لوزيرٍ ولا حتى لمدير, فكانت الذكرى سفراً سيادياً مجتمعياً في واقع جيوسياسي جنوبي لم يتضح فيه بعد أبيض الخيط من أسوده. سيادةٌ وأن كانت منقوصة في عرف السياسة, إلاّ أنها أكدت أن الجنوب شعباً وأرضاً يعيشان منزلة أبعد ما تكون عن الوحدة وأقرب منها الى الأستقلال الوطني.اياً كان التأويل, واياً كانت مكابرة المحتل, فالرموز السيادية, في ذكرى فكٍ للإرتباط, كانت حاضره من باب المندب غرباً, حتى أطراف المهره شرقاً,حضورٌ مع غياب كلي لرموز الوحدة في ذكراها التي تلت. وبإبداعٍ شعبيٍ تعددت رموز السيادة للدولة الجنوبية المفقودة, وتنوعت الأنساق الشعبية, في عروض الساحة التوَّاقة للإنعتاق من همجية ورعونة السائد المفروض في حاضر الإستقواء. نورد من تلك الرموز ذِكراً لا حصراً: (قرار فك الأرتباط, علم الدولة الجنوبية, السلام الوطني للدولة الجنوبية, الشعب الجنوبي الذي حضر طواعية من المحافظات الست المكونة لأرض الدولة). ومن يجيد قراءة سيادة الرموز, يكتشف مقومات الدولة المؤجلة كانت حاضرة في الساحة, تنهل من تاريخ دولة, لحضورها الإقليمي والدولي تبوأت العضوية المناوبة في مجلس الأمن الدوالي(1988 - 1990), نهلت من تراث حضاري لشعبِ, يعود له الفضل بعد الله في نشر الأسلام ولغة القران في شرق أفريقيا وجنوب شرق آسيا, دون أراقة قطرة دم واحدة. شعبٌ توحد مهاجروه مع شعوبٍ في القارتين السمراء والصفراء, توحدوا بإخلاص ودون عنصرية, ذكرى نهلت من تاريخ دولة إحتكمت لسيادة القانون وأعلت رآية الحق, رَغم شططٍ أيديلوجي ثَلمَّ نصوع تاريخها. بكل الشوقِ والحنين عبرت الجماهير تلقائياً عن إرادتها في يوم إستدعاء السيادة ولا راد لإرادة الجماهير عندما تعقد العزم.
العزم في بسط السيادة على الساحة الجنوبية بعامة. فساحة العروض زمن السيادة إصبحت ساحة الشهداء زمن الوحدة, تسميتان تختصران مفهوم القضية. قضية الصراع بين ساحة عروض الحياة, وعروض الموت في ساحة الحياة. وفي الذكرى العَرض, إنتصرت إرادة الحياة على إرادة الموت, إنتصر سلاح الإرادة الجنوبية على إرادة سلاح الوحدة المكدس في مخازن التماس الجنوبي للساحة (قيادة أمن الإحتلال في عدن) . وعند الرقم 19 سادت الحقيقة ودُفنت الفكرة نهائياً. في الذكرى 19 كان الإرتباك في الموقف الرسمي جلياً, برفع الطوق الأمني عن الساحة. مع فرض طوق إعلامي صارم حاصر الذكرى في ربوع موطنها, إزدواجية عكست إنفصال الرسمي عن الشعبي, إنفصال الجنوبي عن الوحدوي, وإغتراب أحدهما عن الآخر, بعد عجزهما عن التفاهم منذ العام 94. فالثاني يعيش عالم حوارته المطاطية, فيما الأول يواصل تجذير حقوقه السيادية على أرضه بالنضال السلمي. وأكدت الذكرى أن أنسجة الشعوب الحية تلفظ جيف النهب, وأن جيناتها الحره عصية على الألحاق بجينات سفاهة الفساد.
رغُم الطوق الأعلامي الاّ أن الرسالة وصلت, وبقوة الى داعمي القرار, مما أربك الأدارة الامريكية ممثلة بسفيرها السيد (جيرالد فايرستاين) الذي أنتقل من موقف الأدانة للحراك الجنوبي الى موقف الإدانة للوحدة عندما عَدَ يوم إعلانها سبب كوارث الماضي والحاضر بقوله لموقع الثورة في يوم ذكراها ال 23 (إن يوم تحقيق الوحدة اليمنية يعدُ تذكيراً سنوياً بصراعات الماضي والحاضر). أي أن الوحدة التي كان يصفها إخواننا الخليجيون ب(المباركة) غَدَت شؤم من وجهة النظر الإمريكية. وكانت السابقة الأولى منذ قدوم السيد فايرستان من باكستان سفيراً للعم (سام) العام 2010, يتجنب فيها تكرار عبارته المألوفة والمعتقه "إننا نقف مع الوحدة". والثانية عدم الأتيان بتصريحاته التي دأب من خلالها التشكيك بسلمية ووطنية الحراك الجنوبي, فَتَحَوُّلُ الموقف الامريكي من القرار الشعبي الجنوبي الرافض للوحدة منعكس في مواقف العشرة المُبشِرين بالوحدة, بعد تيقن الجميع: إستحالة إنكسار الأرادة الجنوبية.
فتحية للشعب الجنوبي في ذكراه ال 19. الشعب الذي أثبت بكافة أطيافه الإجتماعية وباكثريته الشعبية الواضحة أثبت خلافه الجذري مع فكرة الوحدة بأيٍ من أشكالها المتداولة في صنعاء, وإن لا حل للإشتباك بين الشطرين سوى بإستعادة الدولة الجنوبية.وكان الردُ عملياً, على ما صَّدَرَته مؤخراً أحزابٌ وقوى قبلية شمالية, من تصورات هلامية لجذور القضية الجنوبية ومن أفكارٍ مُلَجْلَجَة لحلها, وما أستدعته من ردود حزبية جنوبية. كان الرد الشعبي العملي عليها مجتمعة أقوى وأمضى, بعزف السلام الوطني للدولة الجنوبية المفقودة المنشودة, في يوم ذكرى إستعادتها.
ختاماً: ألم تراودك قارئي العزيز مفارقة خسارة الدولة الجنوبية بقوة السلاح, وتباشير إستعادتها بسلمية الحراك؟.. كم أنت عظيم أيها الشعب الجنوبي!!