في زحمة الحياة وشمس الصباح كنا نسارع في إنجاز أعمالنا، حتى لا يقترب موعد برنامج "واحة اليوم" ونحن لم نصل إلى المنزل بعد، فهو الترفيه والمتعة التي تعطر مسامعنا كل يوم. أتفقد الراديو بعد وجبة الغداء مباشرة وأتجه برفقتها وثلاجة الشاي إلى مكان جميل خارج منزلنا وهناك نستظل تحت شجرة الفلفل، ونعد الدقائق حتى يحل موعد الساعة الواحدة ظهرا فنحلق سويا مع صوت "عقيل الصريمي" وزميلته "عايدة الشرجبي" في سماء الثقافة والوطن والحب وغيرها من الأقوال والأمثال حتى تشعرك بأن ما يدور من حديث هو عنك ولك، فتصبح مأسوراً للبرنامج. كان المذياع رفيقاً دائماً لا يفارقنا، فكل صباح نستيقظ على سماع البرنامج العام والفترة المفتوحة التي تبدأ الساعة الثامنة صباحا وتنتهي الساعة الحادية عشر ظهرا. كنا نترقب أغاني اعتدنا على سماعها وننزعج من أغاني أخرى قد لا تروق لنا، فالصباح الذي نصحو فيه على سماع أغنية "بكّر غبش" بصوت الفنان أيوب طارش يشدنا نحو العمل مبكرين نحلم بصدفة لقاء تجمعنا بإحداهن، أو نظرة نسترقها لأخرى وهي لم ترتدِ الخنة أو تعطف الشرشف على خصرها النحيل. لم نشعر بالملل من إذاعة صنعاء رغم أنها كانت الوحيدة، لأن فيها عقيل الصريمي الرجل الذي نثر على أرواحنا الكثير من معاني السعادة، ببرامج تعالج الكثير من الأوجاع، وتنسيك هموم الدنيا ساعة من الزمن. كانت عبارته في مستهل البرنامج "فسحة من الزمن، في ظلال الكلمة نقضيها، ومن ثمار المعرفة نجنيها" تدفعنا نحو الصمت والإصغاء بروحانية لصوته وهو يتغنى بالشعر والنثر، ويغذي أرواحنا بحكم وأمثال عن الحياة والأخلاق وطاعة الوالدين وحب الوطن وعزة النفس والكرم والرجولة، فتكون بمثابة عنوان جديد نتخذ منه شعارا جديدا في واقع الحياة. كان عقيل صوت الأرض والإنسان والروح الجميلة التي أسعدت الريف قبل المدينة، فنشر الوعي لدى الكبير قبل الصغير، والأمي قبل المتعلم، كان يواسي صاحب المحنة ويشارك المسرور سروره. تلك ذكريات جميلة رحل من شاركنا حلوها ومرها، رحل متسلحا بقيم الرجال الأوفياء لأوطانهم، غادر إلى ربه وترك صدى الكلمات الممزوجة بصوته الموسيقي تحتضن تباشير عبر الأثير في سجل ذكرياتنا التي تشدنا نحو الجلوس تحت شجرة الفلفل نرتشف أكوابا من الشاي دون توقف حتى ينتهي موعد البرنامج، وندرك كم كان صوتك يا عقيل يذهب بنا نحو الخيال، فنبحر في محيطات أحلامنا الوردية فتجدد بداخلنا روح التفاؤل رغم صعوبة الحياة في الريف ومعاناتها. رحمة ربي تغشاك