الكثيرون منّا يعرفونه مذيعاً ومتمكّناً في برامجه التي يقدّمها وبالأخص عندما يتولّى مسؤولية الإعداد والتقديم لهذا البرنامج أو ذاك، والكثيرون يعرفونه بصوته الجهور ومفرداته السلسة ونطقه اللغوي كونه واحداً من بين القلّة الذين يعتمدون على أصول اللغة ويلتزمون بقواعدها وأسسها ويعطونها حقّها بالنطق والتقديم كونه واحداً ممن يعتزّون بعروبة الكلمة وأصالتها مما يجعلهم يتذوّقون حلاوة المفردة العربية عندما يأتون بها في نطقهم ويتلذّذون بقواعدها عندما يصوغون تحرّكات وحركات الحروف العربية وسط مفرداتها، ويجعلون اللسان أكثر تضخيماً للكلمة عندما يقلقلها وسط تجويف الفم وعند خروجها من بين الشفتين، وكما أوضحنا سابقاً أن الغالبية من متابعيه «أي متابعي ضيف هذه السطور» يعرفونه مذيعاً بينما لم يعرفوا عنه أنه ابتدأ حياته الثقافية شاعراً وأديباً يكتب القصيدة الغنائية بشكل خاص ويصوغ القصيدة الشعرية بمختلف ألوانها بشكل عام.. نعم إنه المبدع الذي كان شاعراً قبل أن يصير مذيعاً، الأديب المعروف عقيل الصريمي، هذا العلم الإعلامي الذي بدأ حياته العملية مذيعاً في إذاعة صنعاء، حيث واصل هناك مهنته العملية لسنوات طويلة معروفاً بصوته المميّز يُعِد ويقدّم الكثير من البرامج الإذاعية، وكان المذيع عقيل الصريمي يظهر أكثر تميزاً وأكثر تألقاً عندما يكون واحداً من بين المذيعين الذين يُسند إليهم تقديم الفعاليات الاحتفائية الخاصة بأعيادنا الوطنية عندما كانت تقام الاحتفالات الخاصة بأعياد 26سبتمبر و14أكتوبر وأخيراً الثاني والعشرين من مايو أو الواحد من مايو عندما كانت تُقام مثل هذه الاحتفالات في الساحات والميادين ليبرز من بين الأصوات المقدّمة لتلك الاحتفالات صوت المذيع والمعلّق الجهور والحماسي عقيل الصريمي. ومازالت مسامعنا وعقولنا تتذكّر تلك الكلمات والمفردات الحماسية والأبيات الشعرية التي كان يأتي بها أولئك المعلّقون أو المذيعون المتميزون أمثال عبدالله محمد شمسان ومطهر عقبات وعبدالله حُمران وأنور العنسي وعبدالملك العيزري وعبدالقادر الشيباني ومن بينهم المميّز أيضاً عقيل الصريمي؛ وكلهم كانوا يأتون بالمفردات اللغوية الحماسية التي تلهب الحماس لدى الشعب وتجعل المتابع في أهبة الاستعداد للدفاع عن وطنه من أي تدخّلات كون المفردات والكلمات التي كانت تخرج من أفواه أولئك المذيعين كانت تخرج قوية بل أقوى من صوت الرشاش والمدفع، وهذا ما يعطي تفاعلاً وإحساساً بطعم الحدث لدى المستمع. ونظراً لتميُّز المذيع عقيل الصريمي في عمله عبر إذاعة صنعاء؛ فقد تم تعيينه أخيراً نائباً لمدير إذاعة تعز، ونظراً لكونه من الكوادر التي تحب العمل وممن يعشقون المهنة حتى الثمالة فإنه لم يأتِ كي يحط رحله على كرسي المسؤولية لكي يأمر وينهي وهو قاعد على كرسيه؛ ولكنه أتى إلى إذاعة تعز ولسان حاله يقول نجاحي لم يأتِ من كرسي المسؤولية فقط بل من أمام ميكرفون التقديم، وهذا ما جعله يواصل عطاءه في تقديم البرامج المفيدة ومنها العلمية التي يستفيد منها المتابع والمستمع، ومازال صوته يصدح حتى اليوم عبر ميكرفون إذاعة تعز. لكننا نعود هنا مع شخصية عقيل الصريمي كشاعر وكاتب للقصيدة الشعرية، حيث بدأت أنامله تداعب القلم وأفكاره تنثر مفردات القصيدة ومداد قلمه يخط معاني وقوافي الأبيات الشعرية على سطور الورق، وكان ذلك عندما بدأ شيطان الشعر يتلمّس ويتشبث بعقل شاعرنا الشاب يومها المبدع عقيل الصريمي الذي بدأ يغازل أبيات القصيدة الشعرية في بداية السبعينيات وربما كان لمرحلة الشباب دور كبير في ميول الشاعر عقيل الصريمي نحو كتابة القصيدة العاطفية وفي تلك الفترة التي وجد فيها أحد أبناء قريته الذي كان يهوى العزف على آلة العود بل يجيد العزف على أكثر من آلة فنية لكونه التحق يومها ضمن فرقة وزارة الإعلام والثقافة كواحد ممن يجيدون العزف مع الفرقة الفنية وممن يجيدون الغناء ضمن تلك الفرقة وبمفرده أيضاً وهو الفنان عبدالباسط القرشي وله عدّة أغانٍ في مكتبة التلفزيون بصنعاء، المهم أن الشاعر عقيل الصريمي بدأ يمدّ الفنان عبدالباسط القرشي ببعض القصائد الغنائية؛ وهي القصائد التي بدأت أيضاً تبرز طموح الشاعر والفنان في آن واحد، حيث أن كلاهما كان يكمّل الآخر، وبدأ الثنائي الشاعر عقيل الصريمي والفنان عبدالباسط القرشي يسيران نحو التقدّم والبروز، وكان لتواجد الإيقاعي محمد الكوكباني أو ما يسمّى «ضابط الإيقاع» كان هو الآخر يعطي الأغنية نكهتها وحلاوتها، والكثيرون منّا يعرفون من هو عازف الإيقاع محمد الكوكباني الذي يشارك أخويه بالعزف والغناء ويشارك كبار الفنانين بالعزف ولو أن الفنان عبدالباسط القرشي يومها قد بدأ يتعامل مع أكثر من شاعر ومنهم «الفضول» الذي أعطاه قصيدة غنائية موثقة في تلفزيون صنعاء مع الرقصة الزبيرية، ولا نعرف سبباً لإيقافها بعد أن كانت تُعرض قديماً، ومطلعها يقول: قد كنت داري بك وكنت أعلم إنك بظلم المنصفين مغرم وان طبعك فيه لغز مبهم لك كل يوم ريحه وكل يوم شم ظنيتني شابكي واحمّلك هم وتذرفك عيني دموع مأتم أما الشاعر عقيل الصريمي فقد استطاع أن يمد الفنان القرشي ببعض القصائد الغنائية التي غنّاها ولاقت رواجاً كبيراً في تلك الفترة، إلا أن ذاكرتي لم تساعدني على ذكرها وإن كنت أتذكّر منها أغنية زفة العرائس التراثية «قمري صاد القُمرية.. صاده وقت السحرية» وأغنية أخرى يقول مطلعها: يا سالبة عقلي حرام محجور عليك ردّي لي عقلي واطلقيه من بين يديك شصبح مشتّت بي وأنا موكل إليك واصير كما المجنون يلعب بالشويك محجور بحجر الحب محجور بالعيون هاتي حنينك شحسبه عندي ديون كما أن هناك بعض القصائد الغنائية الأخرى التي كتبها الشاعر عقيل الصريمي وغنّاها الفنان عبدالباسط القرشي في سبعينيات القرن الماضي بعضها موثّقة في مكتبة التلفزيون وإذاعتي صنعاءوتعز وبقيّتها موثّقة في كاسيتات وموجودة لدى الاستريوهات القديمة؛ إلا أن الشاعر عقيل الصريمي ربما وجد أن طبيعة عمله في الإذاعة تجعله مطالباً بأكثر من تفرُّغ وأكثر تركيزاً لتلك المهنة ما جعله يبتعد أو يترك تنظيم القوافي الشعرية؛ هذا إذا لم يكن يكتب الشعر بطريقته الخاصة ويحتفظ بها لنفسه دون أن ينثر رائحته وأريجه على الساحة الأدبية؛ خاصة أن أقرباء له شعراء أمثال الأديب والشاعر الكبير الدكتور سلطان الصريمي والمرحوم الشاعر والمناضل التعاوني عبدالرحمن الصريمي؛ ما يوحي أنه من بيت أدبي، إلا أن الغريب في الأمر ليس هناك من سبق وتطرّق إلى شاعرية الأديب عقيل الصريمي أو جاء معه بحوار يحكي حياته وسيرته الذاتية منذ أن كان طفلاً وحتى وصوله إلا أمام ميكرفون الإذاعة كون مثل هذه الأشياء تخلق شيئاً من الترابط الاجتماعي والمعرفي بين الأجيال القديمة والجديدة وحتى لا يأتِ جيل اليوم وهو يجهل الكثير من رموز وشخصيات جيل الأمس وما قدّموه من أجلهم.