بينما تتهاوى أبراج غزة الشاهقة تحت وطأة القصف الإسرائيلي، معلنة بداية الهجوم البري الذي يعتبر رداً مباشراً من نتنياهو على القمة العربية في الدوحة، تتكشف صورة أمتنا التي أصبحت بلا روح. إن أمة تشهد سقوط الأطفال والنساء جوعاً في الأزقة، وهي ترى شعباً بأكمله يُباد ويُجوع أمام شاشات العالم، دون أن تهتز لها مشاعر، هي أمة فارقت الحياة ولم تعد جديرة بالوجود. ورغم هذا المشهد المأساوي، لم يجرؤ أي زعيم عربي على مجرد التهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان، أو حتى استدعاء سفيره للتشاور حول المجازر والدمار. إن هذا الصمت المخزي يؤكد أن القمم والاجتماعات الطارئة، مثل قمة ال57 دولة عربية وإسلامية، لا تعدو كونها إدانات وشجباً خجولاً لا يقدم ولا يؤخر. إن هذا السلوك لم يعد غريباً. فعروبتهم لم تعد تشبه عروبتنا، وكذلك حال ثقافتهم وأخلاقهم. صناعة الحاكم الغريب عندما يتم تربية طفل عربي على الدلال، وتُعهد تنشئته لمربية أجنبية أو في بيئة وثقافة مختلفتين تماماً عن ثقافته، ثم يُنصّب حاكماً على بلد عربي مسلم، ماذا يمكن أن نتوقع منه؟ هل يمكن أن يجسّد خصائص الإنسان العربي الأصيل الذي يعتز بهويته، الغيور على أمته والمقاوم لعدوها؟ هذا محال. لقد تشكّلت شخصيته ونشأ في بيئة وثقافة لا تمتّان بصلة إلى محيط العرب، واكتسب صفاته من مجتمعات بعيدة كل البعد عن مجتمعاتهم. ونتاجاً لهذا الانفصام، لا تندهشوا إن رأيتموه يتقن الإنجليزية بطلاقة، بينما يجد صعوبة في تركيب جملة عربية صحيحة. لا تعجبوا إن كان دائم الإطراء لأمجاد الغرب وتاريخهم، في حين أنه يجهل تماماً أمجاد وتاريخ العرب والمسلمين. فإذا تحدث عن المعارك، تجده على دراية بحروب "روما" و"بيزنطة" أو "حرب المائة عام" بين البريطانيين والفرنسيين، لكنه لا يعرف شيئاً عن غزوات النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). ويعرف عن حصار "حصان طروادة" ما لا يعرفه عن حصار الأحزاب للمدينة المنورة يوم الخندق، ويعرف عن سقوط "الباستيل" على يد الثوار الفرنسيين بينما يجهل سقوط "القسطنطينية" في قبضة المسلمين. وإذا جاء ذكر العظماء، فلن يتحدث إلا عن "فرانكلين" و"أبراهام لينكولن" و"نابليون"، ويعرف أدق التفاصيل عنهم في الوقت الذي لا يعرف فيه عن سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنه نبي مرسل، بل ولا يعرف عن عظماء الإسلام وقادته العظام شيئاً. حتى في الحديث عن النساء، تراه يسهب في الحديث عن "كليوباترا" و"ماري أنطوانيت" و"فيكتوريا"، ويعرف عنهن أدق التفاصيل وقد يعبر عن إعجابه بهن دون خجل. يحدث هذا بينما لا يملك أدنى فكرة عن أمهات المؤمنين مثل السيدة خديجة بنت خويلد، أو السيدة فاطمة، أو زينب، أو حتى بلقيس والشيماء وخولة والخنساء وأروى وغيرهن من النساء العظيمات في تاريخنا. لا تنتظروا منهم شيئاً أليست هذه هي صورة الحكام العرب في الوقت الراهن؟ هذه هي شخصيتهم التي اكتسبوها من تربيتهم الغربية. فكيف يمكن أن تأملوا من هؤلاء "المسوخ" أن يدافعوا عن أبناء الأمة وتاريخها وقيمها التي لم يشربوها في صغرهم؟ كيف تتوقعون منهم أن يتألموا لغزة أو ينهضوا لأجلها في حين أنهم ينظرون إليها من منظور غربي؟ لا تنتظروا منهم استجابة مهما حاولتم أن تستحثوا فيهم صفة من صفات الإنسان العربي الأصيل، فلن يستجيبوا ببساطة؛ لأن عروبتهم لم تعد تشبه عروبتنا، وكذلك ثقافتهم وأخلاقهم. هذه هي الحقيقة المجردة. لك الله يا غزة... وشكراً لكل أحرار العالم.