جاء كتاب الدكتور نجيب عسكر الموسوم "التعايش الإنساني.. الواقع والمأمول" ليضع يده على واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا في واقعنا المعاصر، قضية التفاهم والتعايش بين البشر رغم اختلافاتهم ،وقد أصاب المؤلف حين جعل من التعايش مفتاحا لحل أزمات عالم تتقاذفه الصراعات وتكاد تهدد وجود الدول وكياناتها. إن التعايش ليس فكرة طارئة أو شعارا للاستهلاك بل هو الأصل في طبيعة المخلوقات والشرط الأساسي لاستمرار الحياة المشتركة ،فمنذ فجر التاريخ لم تقم حضارة إلا على أساس التعاون والتسامح ،ولم ينهض مجتمع إلا حين جعل من تنوعه قوة له لا سبباٌ لتمزقه ،أما حين يختزل التنوع إلى خلافات وعداوات فإن النتيجة الحتمية تكون الفوضى والخراب.
وقد توقف المؤلف وأصاب السفير في عرضه عند دور الإسلام كدين للتعايش والتسامح ،مؤكداّ أن الرسالة المحمدية لم تأت لتقصي الآخر أو تنفيه ،وإنما جاءت لتؤكد قاعدة فالإسلام منذ بداياته وضع أسساً للتعددية والتفاهم بين الأديان والثقافات، وفتح الباب أمام الحوار والعيش المشترك ،بما يحفظ للإنسان كرامته ويصون حقوقه ،ومن هنا فإن التعايش ليس خياراً مصلحياً فحسب، بل هو أمر إلهي، وواجب إنساني من صميم التعاليم الإسلامية.
وقد دعا المؤلف إلى تجديد الخطاب الديني وتطوير استراتيجيات الدعوة الإسلامية من خلال تحويل الدعوة إلى سلوك عملي جاذب والحرص على اختيار الأئمة والدعاة المؤهلين ،مع تفعيل دور اللغة العربية والترجمة بوصفهما وسيلتين أساسيتين للتواصل مع الثقافات الأخرى ،كما شدد على ضرورة نبذ العنف والإرهاب ،والعمل على تعلم اللغات الأجنبية لفهم الآخر وغرس الأخلاقيات في المؤسسات التعليمية، إلى جانب عدم توظيف الدين في السياسة والعكس والاهتمام بالاستثمار في الإعلام الواعي لترسيخ ثقافة التعايش.
الرسالة التي ينطلق منها هذا الكتاب واضحة أن على الإنسان أن يحكم العقل ويعلي المصالح المشتركة بدلًا من الارتهان لخطابات الكراهية والنزاعات التي لا تجلب إلا المزيد من المعاناة وهذا ما تحتاجه منطقتنا اليوم خصوصًا العالم العربي واليمن على وجه الخصوص.
فاليمن الذي كان أصل العرب ورافد الحضارة الإنسانية يمر اليوم بأزمة تكاد تعصف بكل مقوماته ،ولن يخرج منها إلا إذا قدم أبناؤه المصلحة الوطنية العليا على ما عداها وأدركوا أن خلاصهم يكمن في التضامن والتلاحم لا في الانقسام والخصومة . إن القبيلة والمجتمع المدني والإعلام الجاد جميعها أدوات يمكن أن تسخر لبناء المستقبل إذا ما صدقت النوايا وغلبت مصلحة الوطن
إن ما يطرحه الدكتور نجيب عسكر هو أن التعايش الإنساني ليس ترفا بل هو حصن ضد التطرف والإرهاب وسلاح في مواجهة خطاب الكراهية وطريق لا غنى عنه لبناء مستقبل أكثر أمنا وعدلاً وسلاماً . ومن هنا فإن دعوته تتجاوز إطار الكتاب لتصبح نداء موجها إلى كل إنسان وإلى اليمنيين على وجه الخصوص أن يتذكروا قيمة بلادهم وأن ينهضوا على أساس الوحدة والمحبة والتكامل.
وفي الختام يمكن القول إن "التعايش الإنساني.. الواقع والمأمول" ليس مجرد كتاب بل رؤية فكرية وإنسانية تستحق أن تتحول إلى برنامج عمل لأن بقاء أوطاننا واستقرار عالمنا لن يتحقق إلا على قاعدة التعايش التي كانت وما زالت أساس الحضارة الإنسانية.