الخطاب الإعلامي بين حرية التعبير وثقافة التسامح كان عنوان الورقة التي قدمها الأستاذ الدكتور عقبات أشار من خلالها إلى أن حرية التعبير المنطقي والموضوعي والذي يصب في إناء المصلحة العامة مكفول لكل إنسان طالما لا يتعداه بالإساءة إلى الآخرين ويحترم الحقوق والثوابت الوطنية والدستور مؤكداً أن الحوار هو أقرب الطرق للتعرف وتبادل المعرفة مع الآخر مع الوضع بعين الاعتبار الاحتفاظ بالقناعات والخصوصيات لاسيما تلك المتعلقة بالدين والعقيدة المتأصلة في وجدان الناس وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم. ويضيف عقبات: لقد اتسم الإعلام المعاصر بالخوض في مختلف القضايا المجتمعية من منطلق تجسيد أهم وظائفه في تناول وعرض ومناقشة هموم المجتمع وسلوكيات أفراده ومتابعة كافة المتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها بحرية تعبير كفلتها الدساتير وقوانين الصحافة وبخاصة في البلدان الديمقراطية التي تعتمد التعددية الحزبية السياسية منهجاً لها، وهنا يتميز الإعلام باستغلاله الحرية الممنوحة للتوسع في التناولة بالقدر الذي تسمح به سعة الأهداف الموضوعة على أساس ثقافة التسامح وتعدد وجهات النظر إزاء مختلف القضايا. مسببات الانطباع الخاطى إن حرية التعبير المنطقي والموضوعي والذي يصب في إناء المصلحة العامة مكفول لكل إنسان، طالما لا يتعداه في الإساءة إلى الآخرين ويحترم الحقوق والثوابت الوطنية والدستور وحقوق الإنسان ولهذا ينبغي تجسيد احترام حرية القول والفكر كثقافة تسامحية تؤخذ بعين الاعتبار ولا يساء فهمها، خاصة وإن تنوع المفاهيم المسببة للانطباع الخاطئ لدى الآخرين يعود غالباً إلى جملة من الأسباب أهمها: أولاً: حال الاختلافات السياسية والتعصبات المذهبية بين بعض المسلمين أنفسهم والتي تصل أحياناً إلى مراحل البغضاء والعداء والحرب الإعلامية والاقتتال، الأمر الذي يغير مجرى التسامح والوسطية والاعتدال إلى طريق الغلو والعنف والتطرف والإخلال بالأمن الاجتماعي والسكينة العامة، متجاهلين مبادئ الإسلام الحنيف وشريعته وقيم وأخلاقيات المجتمع وحق الإنسان في التعبير عن آرائه بحرية تامة. ثانياً: التشدد الثقافي وعدم اعتراف البعض بالفكر الآخر بدوره يتسبب في إغلاق باب الحوار الإنساني بين الشعوب وخلق عداء لا مبرر له وردود أفعال تسيء إلى الأمة ككل في حين أن أهم ما يميز الحضارات ومنها الإسلامية هو ذلك البعد الإنساني في ملامح ثقافة التسامح ويتجلى ذلك في:. إقرار مبدأ التساوي بين الشعوب في الحقوق الإنسانية، وإلغاء التفاوت بسبب القوميات واللغات والانتماءات والأعراف، واظهار العمل الصالح وهو معيار التفاضل. تحريم الظلم والعدوان ودعوة المظلومين المضطهدين للدفاع عن حقهم المشروع في الحياة واعتبار الجهاد أداة لحماية الكرامة الإنسانية، ولا جهاد في العدوان. تحريم الإكراه في الدين والعقيدة والاعتراف بحق الآخر في عقيدته، واحترام الأديان السماوية والإشادة بدورها الأخلاقي والاجتماعي والإنساني لتحرير العقول من الأساطير والمعتقدات الخاطئة. والتعددية ظاهرة حية وصحية ولا خطر منها، وتدل على احترام متبادل بين الشعوب والحضارات والأديان، والحوار هو أداة التواصل الإنساني لتحقيق هدف معرفة الآخر كمشروع مؤشر على سلوك حضاري لتبادل المعرفة وإثراء التجربة الإنسانية والبحث عن الأفضل الذي يخدم الإنسان، لاسيما وأن الحضارة الإسلامية تتميز باعتمادها على ثقافة شمولية، وهي ثقافة تستمد معالمها من القرآن الكريم والسنة الشريفة، ولا يقتصر أثر هذه الثقافة على تنمية العواطف الدينية والاهتمام بأداء العبادات وتغذية المشاعر الروحية، وإنما تمتد هذه الثقافة إلى كل السلوكيات الاجتماعية بحيث يصبح المسلم نموذجاً حياً للشخصية الإنسانية. قيم الإسلام مشرقة كما يجدر الإشارة في هذا الصدد إلى ماصدر في ختام أعمال الدورة ال23 لمؤتمر وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في اليمن خلال الفترة 2830يونيو 2005م إعلان صنعاء، وما أكدت فيه الوفود المشاركة قيم الإسلام وتعاليمه السمحاء وتفاعله الحضاري وما يمثله من صفحة بيضاء مشرقة في تاريخ الحضارة الإنسانية ومما ورد فيه: حماية التنوع وحق الاختلاف والخصوصية الثقافية والحضارية والدينية المكفولة في صلب حقوق الإنسان المعترف به عالمياً، وهي واجبة الاعتبار في فهم وتطبيق الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويجب إلا يكون هذا التنوع مصدراً للصراع، بل على العكس ينبغي أن يكون مصدر إثراء ومنطلق للحوار الهادف إلى مد جسور التواصل بين الأديان والحضارات. تأكيد مسئولية الأمة الإسلامية نحو الاقليات الإسلامية بما يسهم في تنميتها واندماجها في مجتمعاتها الاصلية دون مساس بمعتقدات وثقافتها والتأكيد على حماية حقوقها بعيداً عن التطرف والغلو. إن التقارب بين الثقافات لايعني بالضرورة انتفاء المتناقضات والقناعة بمحتوى ومضامين الكثير منها، بل وأحياناً تكثر التأويلات والشكوك في طبيعتها ومصادرها وجوهرها وموضوعيتها والخوف من أهدافها الخفية أو المعلنة، إلا أن الحاجة إلى التواصل الإنساني يظل قائماً للاستفادة من الافكار المفيدة والتفاعل المعرفي والتقارب بين الشعوب، أو بحسب تعبير النقاد إنه بالرغم مما يسود بين الثقافات في العالم من نزعة شكية ومن حالات الريبة والحذر، وعلى الرغم من أن أصواتاً من داخل هذه الثقافة أو تلك لاتكف عن الدعوة إلى القطيعة والتخويف من مخاطر مايسمى بالغزو الثقافي فإن جدلية التأثير المتبادل بين هذه الثقافات أصبحت من الأمور المسلم بها، وهي حالة غير جديدة ولا استثنائية وممتدة عبر العصور، وفي مقدور الثقافة العربية أن تقدم أتم نموذج لهذا التفاعل سواء في ماضيها أو حاضرها فهي ثقافة واثقة من نفسها، وعندما بدأ تواصلها بالآخر، وكان ذلك في لحظة زمنية فارقة من تاريخ البشرية، وضعت استراتيجية غير مكتوبة تكاد تتجسد في النقاط الآتية: اختيار ماتنقل. تطويع ماتنقل. توظيف ماتنقل. رفض العداء للآخر الذي تنقل عنه. وفي ظل هذه الاستراتيجية المبكرة بدأت الترجمة من اللغات الأخرى واجتهد العرب في نقل مايحتاجونه لامايحتاجه غيرهم وهكذا تحددت جدلية التبادل والتفاعل منذ البداية منذ التأسيس لثقافة غربية شاملة الاستفادة في حدود ماتتقبله العقيدة والبيئة والمصلحة العامة للأمة«3». كما أن ليست الثقافات كيانات أحادية منفردة، فكل الثقافات والأديان تسمح بالتأويلات المتعددة، الأمر الذي يتيح الفرصة أمام الدول المختلفة حسبما تقتضيه أهدافها لاستخدامها بطرق مختلفة وهذا ينطبق على النظم الاقتصادية وعلى الاختيارات السياسية وبكل تأكيد على التحالفات العسكرية، إن بإمكان المرء تبرير أي شيء يريده انطلاقاً من الاعتبارات الثقافية أو الدينية والقيود عادة لاتفرضها الثقافات أو التقاليد، وإنما يفرضها المتنفذون في السلطة في مجتمعات معينة من خلال تفسير ثقافاتهم بشكل يتناسب مع مصالحهم.. ولهذا فإن الانفتاح الثقافي قد يكون عاملاً مساعداً في توضيح الرؤية إزاء الكثير من القضايا الدينية والإنسانية وكسب ثقة الآخر بتحاور منطقي قد تكلل نتائجه بجنب الإساءة المتعمدة بسبب سؤ الفهم. تجربة طلابية حول: النظرة إلى الآخر في العلاقات بين العالمين الإسلامي والغربي وثقافة التسامح: من المعلوم أن الحوار هو أقرب الطرق للتعرف وتبادل المعرفة مع الآخر مع الوضع بعين الاعتبار الاحتفاظ بقناعات والخصوصيات، لاسيما تلك المتعلقة بالدين والعقيدة المتأصلة في وجدان الناس وعاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم. ولقد أصبح العالم اليوم يعمل في حدود قرية صغيرة في التواصل والمصالح المشتركة بين الشعوب والتي تقف على رأسها العلاقات الإنسانية والتعاون الاقتصادي والثقافي والتنمية في مختلف الميادين، وبالتالي فإن التباين في الدين والعقيدة والثقافة أمر تفرضه طبيعة وواقع التنوع العقائدي والثقافي، الذي لاينبغي أن يظل حائلاً دون التفاهم وتحقيق الغايات الإنسانية المنشودة. ومن هذا المنطلق تنظم من حين لآخر مؤتمرات وندوات علمية وثقافية ولقاءات بين مختلف الأمم للتعريف والتعرف على ثقافة الآخر عبر محاورة معلوماتية تعزز الوعي والمعرفة وتردم فجوة الجهل بالآخر وتزيل منابع الفهم الخاطئ المتأصلة في أذهان الناس من خلال وسائل الإعلام والنظرة النمطية إلى الآخر، وخاصة في العلاقات بين العالمين الإسلامي والغربي. وفي هذا الاتجاه يتم التنويه عادة إلى أهمية الحوار بين العالمين الإسلامي والغربي لتجنب الغموض وسوء الفهم بينهما كسبيل أمثل للتعارف المعرفي بين حضارات وأديان وإتجاهات وقيم وسلوك وعادات وثقافات لتعايش أفضل وتواصل إنساني يعود بالفائدة على الجميع منها مثلاً مايمكن تلخيصه عن مجمل الآراء التي طرحت في ختام اللقاءات التحاورية بين طلاب جامعة صنعاء وطلاب جامعة برلين الحرة المنعقدة في 16محرم 1430هجرية الموافق 13يناير 2009م في جامعة صنعاء بعنوان: النظرة إلى الآخر في العلاقات بين العالمين الإسلامي والغربي، حيث مضت مختلف الآراء في الاتجاهات الآتية: من الأهمية بمكان اعتماد الحوار كأساس للتفاهم بين الشعوب كظاهرة حضارية إزاء كافة القضايا بتصور الآخر ورؤيته والأفكار المسبقة التي يحملها، سواء أكانت الثقافية أو الدينية، لأن أهمية استعراض وجهات النظر لا يعني بالضرورة قبولها. لكل مجتمع ثقافته ودياناته وخصوصياته فلا يهدف الحوارإلى الغائها، بقدر الوقوف أمام سوء الفهم مع الوضع في الاعتبار الاختلافات السياسية والثقافية والدينية..وغيرها، لا سيما وهذا التنوع يعزز الوعي للتفاهم مع الآخر بمواجهة صريحة وبعدل وإنصاف تجاه الحقائق الثابتة وإهمال الخلافات التي تملى على أي طرف. لا يوجد صراع بين الحضارات، ولكن يوجد صراع الجهل بين الحضارات الإنسانية جمعاء أوبمعنى آخر الجهل عن الآخرين قبل الحوار«النظرة المسبقة، الصور الخاطئة عن الجانب الآخر، الصورة المشوهة للطرف الأول عن الطرف الثاني..أي أن الجلوس مع الآخر يزيل سوء الفهم ويفتح آفاق التفاهم والتواصل وتحقيق السلام والتراحم بين الجميع ووضوح المفاهيم الغامضة. أهمية التعبير عن الأفكار بمنطق وموضوعية خالية من التطرف والغلو في إطار القبول بالآخر واحترام العقيدة، خاصة وأن هناك مفاهيم متأصلة ونمطية عن الإسلام في الغرب والعكس، كما أن التحدث بصدق وصراحة واحترام كفيل بتغيير الأفكار القائمة وتجنب إلقاء اللوم على الآخر. لابد من التغلب على عادة الدفاع عن النفس والشعور بالإنهزامية أو الدفاعية أو الهجومية في الطرح، وذلك تجنباً للتمترس وراء التعصب وعدم الاعتراف بالآخر. يلعب الإعلام دوراً محورياً في خلق رأي عام اجتماعي يعزز من تأصيل الصورة النمطية والمصالح الاستراتيجية في أذهان الناس عن الآخر.. وبصفةعامة يعتقد المشاركون في هذا اللقاء التحاوري أن ليس هناك بديلاً عن الحوار للنقاش والتفاهم وإزالة سوء الظن بالآخر وإشاعة المحبة والسلام بين شعوب العالم بتنوع ثقافاتهم ودياناتهم وحضاراتهم. إن الخطاب الإعلامي العقلاني والموضوعي واستطلاع رأي الجمهور إزاءه من منطقه وانتماءاته ومعتقداته وتاريخه وقناعاته يسهل تخطي الخطوة الأساسية لوضع برنامج إعلامي توضيحي يستهدف القضية بكل أبعادها، مع الوضع بعين الاعتبار الدخول في منافسة حقيقية تستغل فيها الإمكانات المادية والبشرية والكوادر المؤهلة لجذب انتباه المستقبل العربي والغربي لتلك الجوانب القادرة على وضح حد للتعصبات المحتملة ونشر قيم العدالة والتسامح الثقافي والمحبة بين الناس لذلك ينبغي أن يتبوأ الخطاب الإعلامي مركزاً وسطيا بين حرية التعبير والتسامح الثقافي بشتى صوره.