في الثامن عشر من أغسطس عام 1991م، تأسس الاتحاد التعاوني الزراعي كمنظمة شعبية طوعية ذات طابع اقتصادي واجتماعي، لتبدأ معه واحدة من أنجح قصص التحول المجتمعي في القطاع الزراعي اليمني، مستنداً إلى مبادئ العمل التعاوني، ومستفيداً من الإطار القانوني الذي نظّم عمل الجمعيات والاتحادات التعاونية بموجب القانون رقم (39) لسنة 1998م. ومنذ تأسيسه قبل أكثر من ثلاثة عقود، لم يتوقف الاتحاد التعاوني الزراعي عن أداء رسالته الجوهرية في تمكين المجتمع، وتحفيز طاقاته الكامنة، وتأسيس بنى مؤسسية فاعلة تنهض بالقطاع الزراعي، وتدفع بعجلة التنمية الريفية نحو آفاق أرحب. رضوان الشارف نقطة تحول تاريخية إلا أن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر 2014م، قد مثّلت نقطة تحول مفصلية ودفعة قوية لواقع الاتحاد التعاوني الزراعي حيث دشّنت عهداً جديداً من التحرر من الهيمنة الخارجية والوصاية الدولية، وفتحت آفاقاً واسعة أمام الشعب اليمني للتحرّك نحو بناء اقتصاده الوطني، مستنداً إلى موارده الذاتية المتاحة، وعلى رأسها الأرض والإنسان. وحظي الاتحاد التعاوني الزراعي باهتمام بالغ من القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى، والحكومة ممثلة بوزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، واللجنة الزراعية والسمكية العليا، لتفعيل دور الجمعيات التعاونية، وتوسيع نطاق عملها، بما يمكنها من أداء مهامها التنموية والاقتصادية على أكمل وجه. كما يُعد الاتحاد شريكاً رسمياً لوزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، وذراعها التنفيذي في الميدان، بينما تمثّل الوزارة المرجعية الفنية والإشرافية للقطاع الزراعي، في تكامل واضح بين الكيان المجتمعي والكيان الحكومي. منهجيات العمل التعاوني اعتمد الاتحاد منهجية واضحة ضمن تنمية العمل التعاوني وفق ثلاث مراحل رئيسية: أولها التوعية المجتمعية بأهمية الجمعيات والمبادرات، ثم تدريب "فرسان التنمية" ليكونوا قادة محليين في تحشيد المجتمع وإنشاء الجمعيات، لتكون كياناً شاملاً لكل العزل، وقادراً على تمثيل المزارعين وتنظيم جهودهم، وفي مسار التدريب والتأهيل وبناء القدرات، حقق الاتحاد قصة نجاح استثنائية، تستحق أن تُروى بوصفها نموذجاً حياً لكيف يمكن للمجتمع، حين يُمنح أدوات المعرفة والتنظيم، أن يصنع الفرق ويغيّر الواقع. ففي إطار الشراكة مع مؤسسات العمل التنموي، أشرف الاتحاد التعاوني وواكب عملية تدريب نوعية غير مسبوقة، تم خلالها تأهيل (13,819) فارساً تنموياً، ليكونوا طليعة المجتمع في إطلاق المبادرات وتحريك عجلة التنمية في القرى والعزل وإنشاء الجمعيات التعاونية بالمديرية. تأسيس الجمعيات التعاونية مثلت الجمعيات التعاونية الزراعية التي يرعاها الاتحاد، حلقة الوصل بين المجتمع والجهات الرسمية باعتبار هذه الجمعيات الأذرع التنفيذية للسلطات المحلية في مديريات المحافظات، وذلك بما تقدّمه من مشاريع توسع زراعي، وتوفير فرص عمل، وتنظيم تنفيذ المشاريع التنموية، ورفع الوعي وتحفيز المبادرات، عبر أدوات مجتمعية فعالة كفرسان التنمية ورائدات التنمية. كما ساهم الاتحاد التعاوني بالشراكة مع شركاء التنمية في تأسيس (156) جمعية تعاونية جديدة، بعدد مساهمين بلغ 186,235 مساهماً من أبناء المجتمع، وبرأس مال بلغ مليار و874 مليوناً و439 الفاً و257 ريال، ورفدها بكادر مؤهل، من خلال تدريب أعضاء الهيئات الإدارية والرقابية للجمعيات الذين تم تدريبهم وتأهيلهم ضمن برنامج تفعيل الجمعيات التعاونية (1598) عضواً في (113) جمعية تعاونية زراعية وسمكية في عدد من المديريات، تضمن التدريب (71) محاسباً مالياً، و(58) من المدراء التنفيذيين، و(161) عضواً من وحدات الجمعيات، و(392) باحثاً، و(137) ضابط إقراض، و (10) سكرتيراً. دعم الصحة الحيوانية وفي قطاع الصحة الحيوانية، وضمن رؤية متكاملة لدعم الثروة الحيوانية، تم تدريب وتأهيل (1,455) فارس صحة حيوانية، وتقديم (16) قرضاً لإنشاء عيادات بيطرية في 16 جمعية، وقد أثمرت هذه الخطوة عن نتائج ملموسة، أبرزها زيادة عدد رؤوس الثروة الحيوانية بواقع (8,474) رأساً، وارتفاع عدد المربين الجدد إلى (1,998) مربياً. دور فاعل في دعم التنمية الزراعية إن النجاح الذي حققه الاتحاد لم يتوقف عند حدود البناء المؤسسي، بل تجاوز ذلك إلى جوهر العملية التنموية؛ حيث لعب دوراً فاعلاً في دعم التنمية الزراعية، وفق منهجية قائمة على هدى الله والتعاون والمشاركة المجتمعية المستلهمة من الرؤية القرآنية، في سبيل تخفيض فاتورة الاستيراد، التي ترهق الاقتصاد الوطني. وفي الوقت الذي كان المزارعون يواجهون تحديات كبيرة، تبدأ من أساليب الزراعة البدائية، وتصل إلى غياب الإرشاد الزراعي، وغياب أي أنظمة فعّالة للتسويق، ما جعلهم عرضة للخسائر المتكررة، وأدى إلى ارتفاع كبير في نسبة الإتلاف، وتراجع القدرة التنافسية للمنتج المحلي. خفض فاتورة الاستيراد وجاءت تدخلات الاتحاد التعاوني انطلاقا من الواقع الزراعي وفق رؤية وطنية استراتيجية، تستند إلى منهجية العمل التنموي القائمة على هدى الله والمشاركة المجتمعية، لتشكّل نقطة تحوّل حقيقية في مسار زراعة وتسويق محصول الثوم، عبر إنشاء وتفعيل (10) جمعيات تعاونية زراعية في مناطق الإنتاج الرئيسية بمديرات خارف، ذيبين، البون الشمالي، قاع البون بمحافظة عمران، والقطاع الشرقي والغربي والشمالي والجنوبي بمحافظة صنعاء ويريم بمحافظة إب، وجهران بمحافظة ذمار، لتمثل بنية تنظيمية قوية للعمل التعاوني، تُعنى بتنظيم العملية الزراعية من الزراعة حتى التسويق. ووضع الاتحاد خفض فاتورة استيراد محصول الثوم الثقيلة ضمن توجهاته للاكتفاء الذاتي من المحصول، حيث بلغ الإنتاج المحلي خلال العام 2021م نحو (11,500) طن، حيث وصلت قيمة الفاتورة إلى (10) مليون و500 ألف دولار، بمقدار خمسة مليار و565 مليون ريال يمني، تُستنزف من العملة الصعبة، وتُضعف من قدرة السوق المحلي على النهوض بالمنتج الوطني. من ثمار هذا التحول الذي حققه الاتحاد التعاوني، تم إنتاج (8,000) طن من الثوم في الموسم الزراعي للعام 1446ه، على مساحة مزروعة تقدر ب(1,000) هكتار، شارك فيها نحو (2,000) مزارع، في نقلة نوعية تعكس حجم الجهد المبذول والنجاحات المتحققة، وقد ساهمت هذه الكمية في تغطية احتياج السوق المحلي، ما حقق للبلاد الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الاستراتيجي. ورسخ الاتحاد الثقافة الزراعية عبر اعتماد الطرق الصحيحة في عملية الحصاد، وعدم رش أو ري المحصول قبل الحصاد لتسهيل التجفيف – وتوفير المجففات الحديثة والتسويق المنظم، تم تقليص نسبة الإتلاف، وتحقيق أعلى فائدة مالية للمزارعين، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على تحسين مستوى دخلهم ومعيشتهم، ودفعهم لتوسيع الرقعة المزروعة في المواسم اللاحقة. تنظيم سلاسل القيمة وأسهم الاتحاد التعاوني الزراعي بشكل ملموس في تنظيم سلاسل القيمة الزراعية، من خلال تنسيق عمليات الإنتاج والتسويق، وتفعيل وحدات التسويق بالجمعيات، وتطبيق الزراعة التعاقدية، التي تُعد العمود الفقري لتنظيم الزراعة الموجهة، وضمان تسويق المنتج المحلي وحمايته من تقلبات السوق. وتعتبر الزراعة التعاقدية أحد أهم أعمدة رؤية الاكتفاء الذاتي للاتحاد، حيث تم تدريب (51) منسقاً زراعياً من الجمعيات على آلياتها، إلى جانب تدريب (26) من فرسان الإعلام لتنشيط الدور الإعلامي التعاوني، و(39) متدربة من قطاع المرأة على تصنيع المربيات والمنتجات الغذائية، في خطوة نوعية لتمكين النساء في الاقتصاد الريفي. تفعيل الزراعة التعاقدية عقدت في مقر الاتحاد التعاوني (8) ورش متخصصة لتفعيل الزراعة التعاقدية في (66) جمعية، تناولت محاصيل ذات أولوية وطنية مثل الذرة الشامية، التمور، الكركم، الزنجبيل، التمر الهندي، البرتقال والثوم، بمشاركة أكثر من 400 شخص من ممثلي الجمعيات ومدراء المديريات. كما تم عقد (3) ورش إضافية للتجار والجمعيات الداخلة في منظومة التعاقد الزراعي. وخرجت الورش بحصيلة توقيع (34) عقداً لشراء الذرة الشامية، و(7) عقود في الليمون، و(7) عقود في المانجو، و(19) عقداً في السمسم، و(14) عقداً في البقوليات، ما مثّل انطلاقة حقيقية للزراعة التعاقدية كآلية عادلة ومستدامة لتسويق المنتج المحلي. وتوسعت المساحة المزروعة بواقع (418) هكتاراً، بإنتاجية بلغت (2,090) طناً من الحبوب والبقوليات خلال موسمين، ما وفر الأمن الغذائي ل(1,741) أسرة، وساهم في تحسين الوضع المعيشي ل(2,192) أسرة تفعيل المبادرات المجتمعية ولم يقتصر دور الاتحاد التعاوني في المشاريع الاقتصادية فقد كان له دور تحفيزي وتحشيدي بالغ الأثر عبر جمعياته التعاونية، حيث تم تنفيذ (3,322) مبادرة مجتمعية في مجالات متعددة، استفاد منها أكثر من (2,546,000) مواطن. وتوّج هذا الزخم التنموي بحصول (31) جمعية على (138) قرضاً ضمن برامج التمكين الاقتصادي. أما في مجال التسويق، عملت الجمعيات على تسويق (1,200) طناً من الذرة الشامية، بالتنسيق مع وحدة الزراعة التعاقدية في وزارة الزراعة، فضلاً عن مشاركة أكثر من (40) جمعية في مهرجانات العسل والتمور والمانجو، حيث تم تسويق في هذه المهرجانات (725) كجم من العسل بقيمة (14.5) مليون ريال يمني، و(605.8) طناً من التمور بقيمة تجاوزت (202) مليون ريال يمني. التحشيد لزراعة صحراء تهامة وفي واحدة من أبرز الإنجازات، تم تحشيد (60) حراثة من جمعيات ذماروإبوصنعاء، لزراعة أكثر من (800) معاد من صحراء تهامة، نتج عنها إنتاج (10,430) طناً من محاصيل الدخن والذرة الرفيعة والسمسم، في تجربة نادرة لزراعة الصحراء وتحويل الجفاف إلى خُضرة. وقام الاتحاد بدور محوري في تحسين جودة المنتج المحلي، من خلال برامج الإرشاد الزراعي، وعمليات ما بعد الحصاد، كالفرز والتخزين والتجفيف، في إطار برنامج متكامل بالشراكة مع وزارة الزراعة والثروة السمكية، لتحسين القدرة التنافسية للمنتج اليمني، وإيجاد أسواق مستدامة له. ووقع اتفاقية شراكة مع صندوق دعم المشاريع والمبادرة الزراعية لتوفير بيوت مجففات للتمر، ما ساهم في تحسين جودة المنتج، ودفع مزارعي النخيل نحو التوسع في الإنتاج، في إطار منظومة تسويق متكاملة. كما أسهم الاتحاد في إعداد الدراسات الفنية والمالية ل(138) مشروع قرض، ورافق ست جمعيات تعاونية في محافظة الحديدة للوصول إلى إنتاج (249) طناً من القطن، في خطوة استراتيجية لتعزيز العودة إلى المحاصيل الصناعية. واتجه الاتحاد من خلال التعاون مع الشركاء لتوفير مدخلات الإنتاج كالبذور المحسنة، والحراثة المجتمعية، كقروض ميسرة للمزارعين، وهو ما تم تطبيقه بنجاح في عدد من المديريات، منها مديريتي خدير ومقبنة بمحافظة تعز، حيث ساهم ذلك في خفض كلفة الزراعة، وزيادة الإنتاج، وتحفيز التوسع في المساحات المزروعة. مؤشرات وشواهد حية ما تقدم ذكره ليس سوى مجرد مؤشرات لبعض النجاحات وشواهد حية على تحوّل الاتحاد التعاوني الزراعي بعد ثورة ال 21 من سبتمبر من مجرد كيان تنظيمي، إلى رافعة حقيقية للتنمية الريفية، ومحرّك فعّال في معركة الاكتفاء الذاتي، من خلال تحويل التحديات إلى فرص، وتنظيم الإنتاج، وبناء شراكات عادلة وفاعلة. كما أن مهام ومسؤولية الاتحاد التعاوني الزراعي بعد الواحد والعشرون من سبتمبر ليست مجرد تجربة، بل هي نموذج وطني متكامل، أثبت بأن العمل التعاوني يُدار بمنهجية علمية ومجتمعية واعية، ليكون رافعة حقيقية للتنمية المستدامة وجسراً لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي التي تعتبر من أبرز مقومات تعزيز السيادة الوطنية والاستقلال.