القصيدةُ التي قدمها الشاعر العراقي الكبير / محمد مهدي الجواهري - رحمه الله - أمام طلاب و طالبات كلية التربية "عدن" في زمن "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" . كان الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري الذي أطلقَ عليه النقاد لقب "متنبي العصر" المتوفَى عام 1997 م قد تلقى دعوةً رسمية من اتحاد الأدباء والكتَّاب اليمنيين "عدن" في مقرِّ إقامتهِ ب "بتشكوسلوفاكيا" السابقة "التشيك" حالياً في ثمانينيات القرن العشرين ، فزار أثرها عدن حاضرة الجنوب تلبيةً لهذه الدعوة في عام 1985 ميلادياً .. وهناك ألقى بمدينة خورمكسر قصيدةً نونيةً عصماء أمام طلاب وطالبات جامعة عدن في صباحية ٍ شعرية ، كانت القصيدة مليئةً بالجمال والمتعة البلاغية وسمو اللغة وفرادتها الانسيابية .. كانت إذاعة وتلفزيون عدن حاضرة في تسجيل ونقل هذه الصباحية الشعرية ..
أما الأستاذ الدكتور/مبارك حسن الخليفة الذي وقع الاختيار عليه لتقديم هذه الاحتفالية الشعرية الممتعة فقد قال : الآن أنتم على موعدٍ مع الشاعر الكبير صاحب القصيدة الأكثر شهرةً "نامي" .. طبعاً يقصد القصيدة الشهيرة التي مطلعها : نامي - جياعَ الشعبِ - نامي حرستك آلهةُ الطعامِ ... إلخ . ثمَّ تقدَّمَ الشاعرُ الجواهري إلى المنصة أمام الجمهور الأكاديمي من الطلاب والطالبات والأساتذة المحاضرين ، فقال قبل إلقاء القصيدة متمتماً بتواضع العظماء : " لقد كتبتُ الأبيات الأُولى من هذه القصيدة وأنا على متن الطائرة ثمّ أضفتُ أبياتاًَ مساء البارحة في "فندق عدن" وفي صباح هذا اليوم أكملتُ أبياتها الأخيرة وإلى أول من يسمعُها أُهدِي "
ملحوظة: ................ وكان الجواهري عليه رحمة الله قد التقى قبلها بشقته في براغ (تشيكوسلوفاكيا) الرئيس الأسبق علي ناصر محمد,الذي دعاه لزيارة عدن.... .........
من موطن الثلج زحَّافاً إلى عدنِ خبَّت بي الريحُ في مُهرٍ بلا رسنِ
كأسي على صهوةٍ منه يصفقها ما قيَّض اللهُ لي من خلقهِ الحسنِ
من كل ملتفة الكشحين ناعسةٍ ميَّادةٍ مثل غُصنِ البانة اللدُنِ
يا للتصابي أما ينفك يجذبني على الثمانين جذبَ النوق بالعطنِ
قالوا أما تنتشي إلا على خطرٍ فقلت ذلك من لهوي ومن دَدني
سبحانَ من ألَّفَ الضدين في خلدي فرطُ الشجاعةِ في فرطٍ من الجُبُنِ
لا أتَّقي خزرات الذئب يرصدني وأتَّقي نظرات الأدعج الشجنِ
خبَّت بي الريحُ في إيماض بارقة تلغي مسافة بين العين والأُذنِ
لم أدرِها زمناً تُطوَى مراحلها أم أنها عثرات العمرِ بالزمنِ
والله ما بَعُدت دارٌ وإن بَعُدت ما أقرب الشوط من أهلي ومن سكنِ
ويا شباباً أحلتني مفاخرهم في أيِّ محتضنٍ من أيِّ محتضنٍ
لا يبلغ الشكرُما تسدون من كرمٍ ولا يوفِّي بيانُ سابغ المننِ
أتيتكم ومتاعي فيض عاطفةً بها يُثارُ جنانُ الأفوه اللسنِ
القي إليكم ما أنتم أُحِقَّ بهِ مما ينفسُ عن شجوٍ وعن حزنِ
وناقل التمر عن جهلٍ إلى هجرٍ كناقل الشعر موشياً إلى اليمنِ
ويا أحبائي صفحاً عن مكابرةٍ من ملهمٍ بغرورِ النفس مُرتَهنِ
تغفو على الخطرِ الملتف خاطرتي كأنها نشوةُ العينين بالوسنِ
ويستبدُّ بنفسي وهي حالمةٌ من كبرياءِ القوافي زهو مفتتنِ
ما أرخصَ الموتِ عندي إذ يندُّ فمي بما تحوك بناتُ الشعر من كَفَنِ
وما أرقَّ الليالي وهي تسلمُني يوم النضال لظهرِ المركب الخشنِ
حسبتني وعقاب الجوِّ يصعدُ بي إلى السموات محمولاً إلى وطني