ان المتابع لما يجري في الساحة الجنوبية يدرك بشكل واضح حاجة الجنوبيين لما يمكن ان نسميه خطة طريق لثورتهم، تتضمن رؤى واضحة معلنة للجماهير، ترشد الفعل الثوري وتنتقل به من مرحلة الى أخري تليها بشكل سلس وواضح، يضع أفراد الشعب وقبله القيادات في طريق صحيح مرسوم المعالم. لنجاح أي ثورة أو أي عمل إنساني كبير بشكل عام، يحتاج المرء لأدوات علمية محددة، تبدأ أولاها بالتشخيص ووصف الموضوع المراد العمل عليه، في الحالة الجنوبية فان الغالبية العظمى من الجنوبيين يتفقون على وصف الوضع الذي يعيشون فيه بأنه احتلال يمني شمالي لأرضهم بقوة السلاح، منذ العام 1994، وبان المرحلة التي يعيشونها في ظل هذا الاحتلال هي الاسوى في تاريخهم على الإطلاق.
بعد ذلك ووفقا للتشخيص توضع الأهداف، والهدف هنا في قضية شعب الجنوب لا أوضح منه ويتمثل بطرد المحتل اليمني وإعادة بناء الدولة الجنوبية المستقلة على كامل ترابها الوطني، كعلاج ناجع للمشكلات التي يغر ق فيها الجنوبيون منذ وقوعهم تحت الاحتلال الشمالي، لاسيما استهداف قيمهم ومبادئهم ومنجزاتهم في بناء الإنسان، وهي برأيي أهم بكثير من الثروات، وكل شيء دون ذلك يمكن استدراكه إلا تدمير الإنسان.
بالعودة إلى صلب موضوع هذه المقالة، فان الإجراء الثالث هو تحديد الطرق والأساليب التي يمكن اتباعها لتحقيق الأهداف، ووضع آليات لها ، وتقسيمها الى مراحل محددة بوضوح ومزمنة، وقابلة للتكيف مع المتغيرات.
وبما إن الجنوبيين قد اختاروا النضال السلمي نهجا لثورتهم، ونجحوا إلى حدي بعيد في الحفاظ على هذه السلمية، إلا ان المواطن والمتابع للشأن الجنوبي يلحظ عجزا تاما في وضع استراتيجة تستثمر نبض الشارع وتتفاعل معه، بل إن العجز قد ظهر في عدم القدرة حتى على مسايرة المد الجماهيري.فبقيت القيادات تلاحق الشارع وتلهث وراءه، لنسمع دائما وبعد كل فعالية كبرى جملة " لقد فاجأنا شعب الجنوب"، وهنا نقول ان هذه الجملة بالتحديد يمكن أن تكون مقبولة لمرة واحدة، لكن تكرارها يدل على عدم وجود آليات لتحسس نبض الشارع لديكم.
الآن وبعد ثمان مليونيات والمسيرات والفعاليات اليومية، وتنفيذ الإضرابات والالتزام بها بعد إعلانها ونجاحها بشكل كبير جراء التجاوب من المواطن الجنوبي، لاسيما ماحدث في السابع من يوليو قبل ايام، برز أمام الجميع سؤال كبير كان موجودا بعد كل فعالية لكنه ألان بات مطروحا بإلحاح، سؤال لابد من الإجابة عليه بشكل سريع وواضح ألا وهو : ماذا بعد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ .
نعم ماذا بعد؟؟ بالعامية : طيب وبعدين ؟؟؟؟.
الإجابة لا تحتمل التأخير، ويجب أن تأتي سريعا ممن نسميهم قيادات، ويجب أن تكون واضحة وناتجة عن دراسة متأنية، وان توضح للجمهور، وإذا أمكن أن تخضع لاستفتاء شعبي ولو على عينة تشمل فئات الشعب الجنوبي كافة.
اعلموا انه قد أزف الوقت، وان صبر الشعب لن يطول، فلابد أن تجدوا الحلول، في رأيي المتواضع الأمر لايحتمل مليونية تاسعة، ولا عصيانا مدنيا متكررا، يقضي على ماتبقى من مصادر ضئيلة لدخل المواطن.
الطور الذي تمر به الثورة الجنوبية حاليا طال أمده بشكل كبير، ولن يستمر الشعب في إتباع نفس الأساليب، دعوة إلى مليونية يأتي اليها الجنوبيون من كل حدب وصوب، ليوم أو يومين ثم عودوا إلى إمكانكم سالمين، ثم أتونا مرة أخرى لنخطب فيكم، ثم عودوا، وهكذا.
الأسلوب الأخر المستهلك أيضا هو إعلان العصيان او بالأصح الإضراب فما يجري لايمكن أن يسمى بالعصيان المدني وليس هنا مقام توضيح الفرق بين المصطلحين، الأهم أن هذا الأسلوب أيضا قد استهلك بشكل كبير جدا ناهيك عن ما فيه من الأضرار الجمة بمصالح المواطنين.
إذا ينبغي ان تجدوا شكلا آخر ينتقل بالثورة الجنوبية طورا جديدا، قبل أن يفقد الشارع زخمه بسبب عجزكم الواضح، آو تنحو جانبا وسلموا الأمر لمن يستطيع استثمار وتوظيف المد الثوري الشعبي في مسار الاستقلال بشكل أفضل، ختاما نؤكد ان الأدوات القديمة قد استهلكت ... فضعوا نصب أعينكم كلمة " وبعدين .؟؟؟