في العودة إلى تاريخ اليمن شَمالا؛أكَاد أشعر بالملل وهم يحدثونني عن أن المواطن الشمالي كان يَعيش في الجارة"السعودية"وكأنه في اليمن،لكنّهم لم يسألوا أنفسهم لماذا لم يتم زرع الهيبة والعز في ذلك الزمن؟لماذا لم يتم تعليم مواطني الجارة من هو اليمني؟.... لم يُفلحوا إلّا في انتقاد سياسات الجنوب،وزرع المكائد لإخوانهم الجنوبييّن،وكان البعض منهم يخيل إليه أنّ عدن ماهي إلا "مصانع خمر" وأشياء أخرى تُصيب الذاكرة بالدهشة عند ذكرها!وكانت النتيجة هي شن الحرب على الشيوعييّن والكفرة،وكأني بهم"أي الشماليين" حديثو عهد بالصحابة!!وبعد الوحدة السقيمة تلك؛أخذت صنعاء قسطا كبيره من الراحة والإطمئنان،فالجنوب وجيشه كان يسبب لها مصدر قلق كبير،والآن وبعد أن أصبح اليمن واحدا،أصبح الذل واحدا،والهوان واحدا،والقهر أيضا واحدا...وهذا هو تعريف الوحدة اليمنية؛كانت تُمزقني فكرة واحدة: هي أنه ينقصنا أن نركض بذكاء كي تصبح قضيتنا في المحافل الدولية،لكننا لا نستطيع لا نقدر!وفجأة طار سرب من صقور الجنوب طار ببساطة فوق رؤوسنا واتجه الى هناك...إلى صنعاء! هذا السرب عرف من أين تؤكل الكتف واستطاع قلب طاولة الحوار لصالحه،وهاهم يتحدثون عن قرب موعد"لحوارِ ندي" بين الشمال والجنوب،هذه ليست صورة خيالية،والحوار ليس من اختراعي،فقط الاحداث تتكرر وتتشابه كل يوم منذ سنين في الجنوب.
وبرغم حالة الشد والجزر التي تسود الشارع اليمني بشماله وجنوبه،وجب الوقوف على حقيقة تلك الفرقعات الإعلامية الفارغة؛والمُحاولات الفاشلة لتشتيت الجنوبيين،بين مؤيد ومعارض للحوار،والواضح مسبقا أنها قوبلتْ بسُخرية تامّة من قبل شعب الجنوب،فهوأي"شعب الجنوب" يدرك جيدا أن أي تنازل من قبل المشاركين من ابناء الجنوب في الحوارالوطني؛حتى وإن كان بسيطا سوف يكون بمثابة هدية سخية لصنعاء،تلك الهدية سوف تجعلهم يشعرون بالغرور والهيمنة،أكثر مما هم عليه،وأن هذا التنازل سيجعل كُل جنوبي يعُظ أصابعه ندما وقهرا....
بعد أنْ نلوم اخواننا من أبناء العربيّة اليمنيّة ؛لا بد أنْ نقول لهم : رغم بزة الجفاء الحديديّة التي ارتديتموها،وأحكم كُل منكم إغلاقها على ذاته،رغم خُودة اللّامبالاة التي رفعتُموها على رُؤوسكم،رغم متاريس الصّمت التي شيدتموها،رغم أظافر التّحدي الشرس التي شرعها كل منكم في وجه إخوانه الجُنوبيين،رغم رقصة الحرب البدائية التي مارستموها حول محرقة 94، رغم أنّكم أيقنتم أن الرصاصة التي تُطلق لاتُسترد،وأن الجَسد لا يمكن أن يُسحل مرتين... رغم....ورغم...ورغم ماكان ....فإنّنا نعلن أنّ ما أصابكم قد أصابَنا،وأن لعنة اليمن الواحد قد طالت كل مواطن حتى وإن كان جنوبيا،حتى وإن حاول الجنوبيون إخفاء قبح الجنسية اليمينة تحت عباءة العروبة إلاّ أن الحظ العاثر قد أصابنا جميعا،لذا دعونا نؤسس لشراكة حقيقية ابتداءا من حوار ندي يجمعنا على طاولة الحوار الوطني وانتهاء بتطبيق واقعي لمخرجات الحوار على الارض.