ربما يكون الحديث عن السينما الإيرانية أحد أكثر الموضوعات التي يتطرق اليها الكاتب السينمائي، سواء في معرض الإشادة المجردة أو حتى المقارنة مع السينما العربية لتشابه الظروف والتكوين الثقافي. ولكني أعتقد أنه من المفترض أننا تجاوزنا النظرة التبسيطية لموضوع السينما الإيرانية، من حيث الاشادة بها كسينما ذات قيود متشددة، استطاعت ان تجد نفسها بين هذه القيود لتصل الى العالم في مختلف المحافل السينمائية، فهو حديث برأيي لا يحمل كثيرا من الاحتفاء الحقيقي بالسينما الإيرانية، بحسب هذه النظرة التسطيحية نوعا ما.
فالسينما الإيرانية ليست سينما جميلة ذات صبغة اسلامية نجحت على الرغم من شدة الرقابة والقيود المفروضة عليها فحسب.. وانما هي سينما مستقلة خاصة بكينونتها وهويتها المتفردة وتكوين الممتزج ما بين أكثر من بعد ثقافي وطريقة تناولها لموضوعات الانسان والحياة جعل منها احدى اهم السينمات في العالم، ومحط انظار النقاد لاعتقادهم انهم امام سينما خاصة تكمل عقد سينماءات العالم من الأميركتين وأوروبا وسينما الشرق الآسيوي.
بإمكانك ان تشاهد السينما الإيرانية من خلال مجموعة الأفلام التي تلفت الأنظار، وتلقى اشادة المشاهدين، وستجد تلك السينما الجميلة، لكنك ستجد شيئا أبعد من ذلك حينما تتبع افلام مخرجيها في السينما الايرانية الحديثة مع مخلمباف وكياروستامي ومجيدي وجعفر بناهي، الذين يحمل كل منهم رؤية خاصة وهوية لافتة في افلامه، وليس انتهاء بغوبادي واصغر فرهادي مخرج فيلم “انفصال نادر وسيمين/ A Separation” وهو الفيلم الذي دخل التصنيف الشهير لأفضل 250 فيلما حسب تصويت المشاهدين في الموقع السينمائي الأشهر IMDB والفيلم المرشح لجائزة الغولدن غلوب كأفضل فيلم أجنبي وجائزة الاوسكار هذا العام كأفضل فيلم أجنبي وأفضل نص. أصغر فرهادي يبتدئ الفيلم بمشهد ثابت ولقطة واحدة طويلة، تصور وجهة نظر القاضي الذي يجلس امامه نادر وسيمين، حيث تطالب هي بالطلاق، لكنها لا تجد سببا مقنعا امام القاضي، سوى انه يرفض السفر معها خارج البلاد، فيما هو يتعذر بالعناية بوالده العجوز المريض في بيته.
وحينما يرفض القاضي هذا الانفصال، ستذهب الزوجة سيمين الغاضبة عند اهلها، فيما سيتعين على الزوج نارد العيش وحده مع ابنتهما ذات الإحدى عشرة سنة، والعناية بأبيه العجوز، ومن ثم الاستعانة بخادمة منزل.. ومن هنا فقط تبدأ الأحداث في وصفة خاصة من المخرج ما بين الإثارة والغموض في قالب درامي يمتحن فيه المخرج موضوع المبادئ ونسبية الاخلاق والاعتزاز بالقيم، وطريقة تفكير الانسان حينما يتوجب عليه ان يقول ما يمكن أن يؤثر في حياته كثيرا!!
النمط الذي يتبعه فرهادي في حشد مجموعة من الممثلين بأداءات مذهلة جدا، وخلق عقدة غريبة من الغموض والاثارة بإيقاع هادئ غير مفتعل، كنت قد شاهدته من قبل في فيلمه الرائع جدا “About Elly” والذي فاز وقتها بجائزة افضل مخرج في مهرجان برلين السينمائي. حول مجموعة من الأصدقاء وزوجاتهم في رحلة تختفي فيها احدى الفتيات، التي كانوا قد دعوها لتعريفها على صديقهم الأعزب القادم من ألمانيا.
وهو هنا يحتفظ بطابعه الخاص، لكنه ينوع في الفكرة ويخلق موضوعا جديدا ينسجم مع الحالة الدرامية التي يرسمها دون أن ينجرف وراء الفذلكة أو افتعالات المواقف. وفي النهاية لا يمكن أن تفوت مع الفيلم ملاحظة الحالة النقدية التي تكاد تكون سمة المخرج الايراني بشكل عام لواقع المجتمع وأداء الدولة وتهاوي مبادئ الحرية والحقوق الفردية والقيم الانسانية وتعنت السلطات. من فهد الاسطاء