"ليس هناك من لغة ممكنة من قوى التسلط سوى لغة مماثلة للغتها،لغة القسوة،لغة الغلبة...ومع اليأس من لغة الحوار السلمي أو الرضوخ،يترسخ الإحساس بضرورة العنف وإلا أصبح الشعب ضحية دائمة ونهائية،هذة الظاهرة يسميها علماء الأحياء برد الفعل الحرج والتي تتلخص في الخيار بين الفناء أو المجابهة....." . هنا يشير الدكتور مصطفى حجازي في كتابه الرائع"سيكولوجية الانسان المقهور" إلى أن المجتمع الثائر يصل في مرحلة من مراحله إلى الأيمان العميق بأنه لا سبيل لردع الاستعمار والقوى الغاشمة،إلا بعنف مسلح يماثل العنف الذي تمارسه تلك القوى،والنتيجة هي التخلص من عقدة النقص والجبن والخوف التي غرسها في عروقه،بل ويمكنه من تحطيم كل الخرافات السائدة عن أن الشعب لا يمكن أن يفهم غير لغة القسوة...وأنا أعتقد أن بزوغ فجر الكفاح المسلح في الجنوب يشير إلا أن الشعب فد قرر أن لا يثق إلا بالوسائل العنيفة "وأن تلك القوى المهيمنة على مفاصل القرار في صنعاء لاتفهم إلأ بلغة العنف...!"لا ننسى أن هناك قوى حراكية فاعلة لازالت تؤمن بضرورة الاستمرار في الثورة السلمية وهذا رأي نحترمه ونقدره ويمكننا أن نتفهم خوفهم وقلقهم على مستقبل العلاقات مع الجيران في العربية اليمنية وبقية الدول العربية،لكننا في المقابل نقول لهم أن هذا الكفاح سيمدنا في مجابهة المتسلط بنوع من الإحساس بالقوة التي تصبح رمزا للحياة.
الشعب في الجنوب اليوم يواجه تحدي التغلب على خوف الموت،وهذا التحدي يحمل في النهاية معنى الانتصار على القهر والذل اللذين أصابا الجنوبيين بالموت معنوياً ووجودياً،إذ أنه بمجرد أن يبدأ بتحدي الموت والظفر عليه يكون قد قلب معادلة التسلط أو الرضوخ وانتصر على ذاته وأحيا في نفسه بذور الكرامة،وانتصر على العقد الذاتيه،انتصر على الخوف والاستكانة،انتصر على القلق على الحاضر والمستقبل،وبالتالي فإن هذا الانتصار الداخلي يتيح له الانتصار على قوى القهر فيما بعد...إن الانتصار على الموت هو بمثابة اجتثاث جذور التبخيس الذاتي والتي تعني النقص والمهانة،بما معناه أنه يجب أولا أن ننتصر ذاتيا،وحتماً سيكون الانتصار على قوى القهر أسهل مما يمكننا تخيله...إن الحاجة الى قهر الموت هو الطريق إلى عملية التحرير..وأن الكفاح المسلح يوحد الشعب،ويرد له الاعتبار الذاتي،وينقل الشعب من أٌشد درجات التبخيس ألى أقصى درجات التقدير.
وهكذا فإنه من الطبيعي أن يؤمن الشعب المقهور والثائر بأن السلاح يحدث توازن في القوة بل ويحدث انقلاب جذري في الأدوار،ويتحول الضعف إلى قوة،لأن السلاح هو القيمة الحقيقية الموجودة بالنسبة له،ولأنه لا يستطيع الانتضار بل يحتاج نتائج عاجلة وعملا ملموسا يطمئنه،إنه يحتاج إلى حل سحري وبالتالي يستخدم السلاح كعصا سحرية تمكنه من القضاء على الماضي الاسود البائس الى الأبد.