ذات مُرّة (بضم الميم ، وتشديد الراء ) كنت مستغرقاً في قراءة جريدة عربية - ولا أخفيكم عيباً - كانت تابعة للدولة ، وفي معرض قرائتي لها ، وقعت عيناي وقوعاً شنيعاً ومدوياً على عبارة (إنسان شريف) !. في الواقع لم أستطع أن أفك شفرة هذه العبارة ، بل لم أتمكن حتى من قرأتها كاملة إلا بعد جهد جهيد ، فقد كنت أتهجؤها حرفاً حرفاً لأن جفافاً حاداً غزا حلقي وعقلي فور رؤيتها . أعدت قراءة تلك العبارة مرارا وتكراراً ، ذهاباً وإياباً - قرابة 17 مرة - علّني أجد معنى لها أو حتى شبه معنى ، ولكن للأسف كل ما خرجت به من سعيي هو حالة من الدوار العربي في عقلي . قررت الإبتعاد قليلاً عن الجريدة ، والجلوس مع نفسي مفتشاً في ثنايا قاموسي اللغوي عن أي معنى واضح لها . طال الجلوس دون طائل ، أبحرت ُ في كل قواميس ومعاجم اللغة العربية ، فوجدت كلام طويلاً ، وايات قرانية و احاديث نبوية ، واشعار عربية ، ولم أجد عبارة (إنسان شريف) ، بحثت في قواميس الرياضة والرياضيين ، فلم أجد لها أثر ، فتّشت في كتب الدين والصحاح فلم تتطرق لها البتّة . سألت العلماء والمفكرين والأدباء والشعراء ، فكان جوابهم متفلسفاً لم افهم منه كلمة واحدة وكان هو الاخر يحتاج لبحث حتى أفهمه . يئست من العبارة ، ورميت الجريدة فتناثرت اوراقها حولي ، وكدت أن اقتنع أنه لا يوجد معنى ل(إنسان شريف ). ثم في فلتة شيطانية :جاء الخاطر على بالي أن ابحث عن ضدٍ لهذه العبارة ، فالأشياء تعرف بأضدادها كما يقال ، وقد كان ذلك .
وكانت معه المآساة ، فضد العبارة تعرّى أمامي بشكل كامل ، فأغلقت عيني(خوفاً من الفتنة) وأغلقت فمي(خوفاً من المخابرات) و طفقت أخصف عليه من ورق الجريدة ، علّني أواري سوءته ، واحفظ كرامته ولكن دون جدوى فقد كان فاضحاً واضحاً صاخباً جرئياً ، لقد كان ضد عبارة (إنسان شريف ) هو ( رئيس عربي) !!!!!!