منذ 23 عاما وبالتحديد قبل تحقيق وحدة عام 1990م كان اليمنيون شمالاً وجنوباً يسعون لتحقيق الوحدة بنفوس صافية وقلوب بيضاء يملئوها الشغف المفعم بآمال وطموحات وتطلعات كانوا يخضعونها على عاتق الوحدة التي كانت في نظرهم اكبر من اتحاد جغرافي لحدود دولتين مع بعضهما وانما اتحاد للقيم والاخلاق المشتركة وتعزيز روح الأخوة والاندماج الانساني والديني , هكذا كان المشهد تقريباً قبل التوقيع على اتفاقية الوحدة التي ما لبثت إن فشلت فشلاً ذريعاً نتيجة عدم اعتماد قدرتها وصناعها على أسس وركائز الوحدة الحقيقية واستبدالها بطرق واساليب جديدة للنهب والتهميش والاقصاء المباشر والغاء الآخر كانت تمهيدا حقيقياً ومقدمات لنشوء حرب 1994م المشؤومة التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر الوحدة وأساءت لها وساهمت في توطيد مبادئ وافكار لم تكن موجودة في ايام الانفصال والتجزئة , مثلما كانت ايضا بداية لطريق يعج بالنضال والكفاح وصل إلى قمة ذروته في العام 2007 حين بدأت مسيرة الحراك السلمي في النضال نحو استعادة دولة كانت في يوماً ما ذات سيادة واستقلال واصبحت فيما بعد مسرحاً للصيد والغنيمة وسفك الدماء . قد لا أكون منطقياً بعض الشيء إذا قلت بان الوحدة انتهت بتاتاً لأنني على ثقة بانه مازال للوحدة املاً في النجاح ولو يشكل الدول الفيدرالية غير ان نجاح الوحدة المستقبلي يعتمد بشكل كبير على وجود قيادات مخلصه تعمل على إرساء العدل والتكافل وتوزيع الثروات وقبل كل ذلك إعادة الحقوق المنهوبة إلى اصحابها وتعويض المتضررين من المشروع الأول للوحدة والفاشل للأسف بكل المقاييس , بيد إن كل ذلك ايضاً مرهون بثقة وتقبل ابناء الجنوب للمشروع نفسه خاصة وإن الوجوه التي ساهمت وشاركت في مأسي الجنوب هي نفسها التي تبوئ المراكز مراكز القيادة حالياً وهي من ستكون وبلا شك في قمة هرم الدولة الفيدرالية دون إن نغض النظر عن وجود المبدأ نفسه الذي يربط بين الاطراف المتعاقبة وبالرغم من تغير الاشخاص وتماشياً مع السياسة المعمول بها في اليمن تزول الاشخاص ويبقى المبدأ !
لم تكن الخسارة من مشروع الوحدة محتكره على ابناء الجنوب فقط بل كان لإخواننا في الشمال نصيبا من ذلك فكان الاقصاء والتهميش لبعض الفئات المستضعفة موجوداً في بعض مناطق الشمال مثلما كان القمع والاعتقال والقتل ضريبة بعض الاصوات الحرة , عندما اطلق لقلمي العنان صوب اعماق واحشاء ما يدور في مخيلتي وذاكرتي عن تاريخ الوحدة اليمنية اشعر بالاسى إزاء مشروعاً كان بإمكانه إن يحول اليمن إلى نموذج ونبراساً به في الطريق إلى الوحدة العربية الشاملة وكان بوسع اليمنيون أن يؤسسوا لبناء دلوه مدنية حديثة قوامها التعايش والتكافل , غير إن القيادة الحكيمة هي ما كانت تنقص الوحدة اليمنية التي حلت عليها لعنة قادة لا يفقهون شيئاً عن معاني الوحدة السامية والعظيمة بقدر إجادتهم للنهب والبسط والقتل !! شخصيا افضل الوحدة على الانفصال , لكن إذا كانت الوحدة وما يدور في محيطها سبباً رئيسياً لنشؤ دعوات للانفصال حينها يجب علينا التفكير ملياً ووضع العواطف والخطاب المتطرف جانباً من أجل إيجاد حل يسهم في إزالة المشاكل المترتبة عن ما جرى .
أخر الكلام .. كما هو معروف يعتبر الانفصال أو التجزئة سبباً رئيسياً ووجيهاً لنشؤ وتحقيق أي وحدة في اليمن وللأسف تعتبر الوحدة سبباً رئيسياً للانفصال !!