شكرا . . مجلس الأمن . . فالقرار الذي أصدرتموه يوم 26 فبراير 2014م. هو قرار مهم جدا بالنسبة للمواطن اليمني . صحيح أن قرارات المجلس السابقة الخاصة باليمن كانت تستهدف المواطن اليمني في الأخير لأنها قرارات تخص الأزمات السياسية العاصفة بالبلد ، لكن القرار الأخير مس المواطن اليمني مباشرة في كل قرية و مدينة ، و في كل رابية و واد و جبل ، مسه خيرا و بشرى سارة . . شكرا ، للسيد بان كي مون – رئيس المجلس ، شكرا لأعضاء المجلس الموقرين ، شكرا للسيد جمال بنعمر و كل الذين ساعدوا على خروج القرار 2140 إلى حيز الوجود . فلقد بعثوا فينا الأمل في عيش كريم و عدالة و مساواة بعد أن عشنا عقودا من الزمن ننشد أن نرى القيم الإنسانية متجسدة في واقعنا و حياتنا بصورة فضلى ، و بدون عبث و فوضى القوى التي لا تضع للمواطن قيمة أو معنى مهم في تقديراتها و تصرفاتها . نحن أيها السادة لا نحفل بمن يتحدث اليوم عن " السيادة الوطنية " لأن القرار المتخذ يسند السيادة الوطنية بسبب من أن فعل النظام و القانون في بلادنا لم يتجاوز الثلث في وتائره و وظائفه الملموسة حتى الآن . و ما تبقى هو استقواء أفراد و جماعات بالسلطة ، و استقواء بالسلاح ، و استقواء بالمال ، و استقواء بالجاه ، و استقواء بالعرق . و عندما تريد استعادة حق يواجهك أحد تلك الاستقواءات ، و في حالة أخرى أثنين أو ثلاثة منها ، و في حالة ثالثة تواجهك جميعها . ففعل الأمن و العدالة ضعيف في حل و معالجة مشاكل المواطنين . فأحيانا قد تنفق مبلغا يساوي نصف المبلغ الذي سرق منك في الوصول إلى السارق ، هذا إذا تمكنت أجهزة الأمن من الوصول أليه . و فيما يخص اللجؤ إلى القضاء فنتيجة للتطويل الشديد ( المتعمد في الغالب ) و التعقيدات ، فإذا كان المثل الشعبي في مصر يقول : " قالوا للحرامي أحلف اليمين ، قال جاني الفرج " فإن المثل يكون في اليمن تجاه الناهب المتنفذ الذي يمتلك أحد أدوات الاستقواء المذكورة ، هو : " قالوا للناهب المتنفذ سنذهب إلى المحكمة ، قال جاني الفرج " .
إن قوى العبث و الفوضى و الفساد في اليمن لم تحس بالجدية في التصدي لها طوال الفترات الماضية ، كمثل هذه الجدية التي تراها اليوم و هي تقرأ القرار رقم ( 2140 ) . البعض يشخصن القرار و الحقيقة أن مضامينه أبعد من الشخصنة إلى الاطار الشعبي العام . إنها مسألة تتعلق بانتصار القيم النبيلة الصادقة التي عشقها و ناضل من أجلها اليمنيون شمالا و جنوبا . تلك القيم النبيلة الصادقة التي آمن بها اليمنيون عندما دخلوا الوحدة اليمنية في عام 1990م. و لكنها تحولت إلى سراب ، بل و إلى عذاب . إذ أن قوى العبث و الفوضى و الفساد في البلاد لم تفكر يوما بمصالحها الشخصية ضمن إطار مصالح الشعب أو معه . كان هناك اشبه ما يكون بحزب مخفي يحكم البلاد هو : حزب المنافع الشخصية الجشعة و الفساد منذ العام المذكور ، و أستطاع الهيمنة على مقاليد الحكم بقبضة حديدية منذ حرب صيف عام : 1990م. و لو رأيتم ما نهب من أراضي و ممتلكات في المحافظات الجنوبية لوجدتم أن المسئولين و المتنفذين الآخرين في اليمن مصابين بمرض فيروس الجشع القاتل ، و لمنحتموهم " جائزة الجشع العالمية " بدون منافس .
إن ذلك الحزب المهيمن ( حزب المنافع الشخصية الجشعة و الفساد ) كان و ما يزال يستمتع بالحديث عن : مستوى الفقر في اليمن ، و انتشار الأمراض ، و سؤ التغذية ، و الطفولة المعذبة ، و البطالة . . و ما شابهها . و كأنها ظواهر أزلية في حياة الشعب . في حين أن الحديث خجولا عن التصدي لنهب المال العام ، و سرقة الأموال العامة ، و الظلم الاجتماعي المتمثل بنهب المتنفذين من أصحاب القوة و السلطة و الجاه و السلاح لإخوانهم الآخرين من أبناء الشعب . . من الذي يمتلك القدرة على وقف الفوضى و العبث و الفساد و الظلم الاجتماعي ؟ كانت محاولات الإجابة ضعيفة و مقموعة و خائفة من البطش و الأذى . و اليوم ها هو مجلس الأمن الدولي يجيب بكل قوة على السؤال الذي ظل لعقود حائرا مرتبكا ، خائفا ذليلا . . من هذا المنظور العام للقيم النبيلة يجب أن ننظر إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم : 2140 بصفته داعم فعال للقوى الشريفة و مساعيها التقدمية في اليمن الهادفة إلى استقرار حياة المواطنين و رفاههم . اليوم يستطيع الشريف أن يقول لنفسه " أنا كنت على حق " و يرفع رأسه ، و سيبدأ السارق ينكس رأسه خجلا . فقد كان الحال معكوسا في الماضي في أماكن كثيرة و لدى ناس كثر .
هنا أعطانا مجلس الأمن بقراره الأخير الحق و الأمل في تناول استقرار حياة المواطن و رفاهه بجدية و فعالية . فالناس كانوا ينظرون لمثل هذا التناول بأنه عبث و رماد منثور في ظل عدم وجود محاسبة للسرق و الناهبين و الفاسدين . بل أنه كان من العبث الحديث عن التقدم الاقتصادي في حين ما يمارسه هؤلاء من خراب اقتصادي فتاك بالاقتصاد الوطني . . أذكر هنا أن الحكومة وضعت دراسة أو خطة " مارشال " في عام 2008م. للرفع بمستوى اليمن الاقتصادي حتى يكون مقتربا من مستوى الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي و أفضت هذه الخطة / الدراسة إلى أن تكاليف ذلك تصل إلى : 48 مليار دولار . و لم تستجب الدول المانحة الشقيقة و الصديقة لتمويل الخطة بسبب ما هو موجود في اليمن من فساد و نهب و سرقة .
. . و لنا أن نشعر بالحزن و الأسى إذا ما وجدنا أن التقديرات الدولية للأموال المنهوبة ما بين : 50 – 70 مليار دولار . بينما في الواقع أن الأموال المنهوبة في الخارج و الداخل و المغسولة ماليا تتراوح ما بين : 250 – 300 مليار دولار . أضف إلى ذلك أن الأصول المنهوبة في البلد من أراضي و ممتلكات عامة تتراوح ما بين : 350 – 450 مليار دولار و ربما أكثر . و يقول المثل : " من الصعب أن تأخذ اللقمة من فم الأسد " فما بالك إذا كان الأسد أسدا يمنيا شاطر منحته عقدين و أكثر من الزمن للتصرف و التلاعب ، و ثلاثة أعوام أخيرة مليئة بالصراعات و الحروب و الفوضى و إنفلاش الحكم و الدولة .
ليس هناك مجال لأن نقسم الشعب اليمني اليوم إلى : مسروقين و سرق ، و منهوبين و ناهبين ، و مفسودين العيش و فاسدين ، و معذبين ( بفتح الذال ) و معذبين ( بكسر الذال ) . . بل علينا جميعا أن نتعاون للتنفيذ الحقيقي الفعلي لقرار مجلس الأمن : 2140 و من الواجب الوطني و الديني الإسلامي و الإنساني أن نفعل القوانين و الأنظمة و الهيئات و الأجهزة ذات العلاقة به و بتنفيذه . و في هذا السياق على من ارتكبوا الأخطاء في هذا المجال أن يعترفوا بأخطائهم و يصححوها و يعيدوا ما نهبوه و سرقوه طواعية ، و نقول لهم : خذوا ما يكفيكم و أولادكم و أحفادكم بالمعقول ، و أعيدوا ما تبقى للشعب و الدولة . . و جزاكم عند الله كبيرا .