لم أنسى كلمات الدكتور سعيد الجريري عندما كنا مجتمعين في خور المكلا في ليلة من الليالي أثناء قرب نهاية صالح وخروجه من الحكم : فقال بالحرف الواحد بما يعني «أن هناك مخطط مدروس ومجهز لجعل حضرموت منطقة غير آمنة وجعلها مفخخة بالسيارات المتفجرة.....إلخ» . وبعد مرور السنوات رأينا القتل في حضرموت والاغتيالات المستمرة وأيقنت أن ماقد نطق به الجريري ينم عن رجل يقرأ الأحداث المستقبلية وصرت اترقب ما يقوله هذا الرجل شفهيا أو كتابيا. فهو رجل أديب ومفكر في آن معاً، وكنا في مجلس الدكتور طه حسين الحضرمي في غيل باوزير قبل عدة اشهر وبرفقة الدكتور عبدالقادر باعيسى والدكتور مسعد مسرور والأخ الشاعر فيصل العجيلي وتذكرنا الرجل عندما غنى له الفنان محفوظ بن بريك أحدى أغانيه وهو مازال في سن مبكر، وهذا ماينم بمستقبل الجريري منذ الصغر، وكذلك تحدثنا عن توجهه الأدبي وأتفق الجميع أن الدكتور الجريري رجل مفكر، وهذا الثناء ليس من باب المجاملة أو المدح الزايد بل من يقرأ للجريري يرى أن بعض مايكتبه يحدث في المسقبل فهو ليس نبياً ولا وحي يُوحى له، وهو يصيب ويخطي طبعه كم طبع البشر، ولكن تضل للرجل مكانة المفكر والأديب .
ولا أنسى ما قد كتبه الجريري في كتابه «بلا غيبوبة.. مقالات عن مفارقات القات وسنينه» وقد تنبأ ليس كما يتنبأ الأنبياء ولكن كما يتنبأ المفكرين «بحدوث الأحداث قبل أوانها ويستبق الزمن– وقد تنبأ الجريري قبل سنوات تقريباً في كتابه ( بلا غيبوبة.. مقالات عن مفارقات القات وسنينه) بخروج مظاهرات في الشارع الحضرمي مطالبة بخروج القات من حضرموت حيث قال في نبوءته : ” أية مفارقة هذه التي أفاقت على نشازها مدينة المكلا؟..وما المفارقات القادمة؟ ثم ماذا لو خرجت تظاهرة ( للقوت ) بدلاً من القات؟.”
وقد تحققت نبوءة الجريري عندما خرج الشارع الحضرمي في مدينتي غيل باوزير والشحر بصوته سلمياً وليس ببندقيته ومدفعيته مطالبا بخروج شجرة القات من المدينةوحضرموت معاً – وإن تم إسكات الأصوات السلمية بصوت البندق فربما تأتي الأيام ولا أحد يستطيع أن يسكت الصوت المطالب بمنع دخول القات إلى حضرموت فالإرادة, والحق فوق صوت الحاكم, وصوت الكلاشنكوف, وفوق صوت المدفعية-فلا بد أن ترجع الأمور إلى نصابها».هذا جزء مما كتبته قبل سنوات عن ماقد كتبه الجريري عن القات وخروج الشارع الحضرمي مطالباً بمنع القات في حضرموت، فلم يستقر الأمر في هذا الحد، بل تطورت قضية القات أثناء الهبة الحضرمية والجنوبية فقد قام الكثير من أبناء حضرموت وخاصة حلف قبائل حضرموت وكذلك حفل قبائل شبوة بمنع دخول القات إلى المدن والقرى والأرياف، والبعض قام بإحراق الشاحنات المحملة بالقات، وهذه تطور في الأحداث من المظاهرات ضد القات إلى حرقة ، والسلطة مصرة بدخوله إلى حضرموت بحراسة مشددة باطقم العسكر لتأمين دخوله وبيعه في حضرموت- إنها مفارقة غريبة أن تقوم الدولة بحماية القات وتأمينة لدخول حضرموت وفي الوقت نفسه تقوم بزهق ارواح الناس في حضرموت والجنوب خاصة. فسعيد الجريري مهما أختلف معه البعض يضل الرجل مفكراً يقرأ الأحداث برؤية المفكر وهو في غنى عن التعريف والمعرف لا يُعرف وسعيد الجريري هامة وطنية كبيرة تتربع على قمم الوطن، وأنا أشبهه ك الأديب الأمريكي أرنست همنغواي الذي لم يعرف إلا طريق الأدب والمعركة من أجل الوطن، وكذلك مثل الشاعر المناضل لوركا ، فالجريري ...لوركا الجنوب.